تهدف العمليّة التّربويّة إلي إكساب المتعلّم معارف وقدرات ومهارات ومواقف أو اتجّاهات مرغوبة حدّدت مسبقًا، بوساطة الطّرائق والوسائل المناسبة، وصولاً إلي تنفيذ العمليّة التّعليميّة التعلميّة، وتقويم النّتائج عن طريق الاختبارات، وإعطاء التّغذية الرّاجعة التي تطال كامل مكونات العمليّة ونتائجها، من أجل تطويرها بشكل كامل.
ففي المدارس التي تؤمن بنجاح جميع متعلّميها في المدرسة والحياة، تُعَدُّ عمليّة القضاء على الثّغرات التعلّميّة جزءًا من عمليّة التّعليم والتّعلم، ويتمّ الاعتماد على التّقويم الذي يهتم بالتّوجيه والإرشاد وإنجاح جميع المتعلّمين من خلال خطط دراسيّة خاصة لمن هو بحاجة إليها، وهذا ما يسمى بالدعم المدرسيّ.
فاّلدّعم عمليّة تعليميّة تعلميّة، تهدف إلي مساندة المتعلّمين على التّمكّن من معارف وقدرات ومهارات ومواقف وكفايات منهجيّة العمل ،أو استراتيجيّات للتّفكير، ويلجأ إليه بعد عمليّة تعليميّة سابقة لم تحقّق كامل أهدافها. وهكذا يوجه هذا التّعريف العمليّة بشكل أساسيّ باتجاه دعم المتعلّمين الذين تظهر لديهم ثغرات تعلميّة، ويستثني بالتّالي المتعلّمين المتفوّقين من دائرة اهتمامه، مع العلم أنّه بالإمكان تصوّر عمليّات تقوية لهؤلاء تساعدهم على الذّهاب أبعد في التّحصيل والتّعلّم .
إنّ دعم المتعلّمين الذين تكشف لديهم ثغرات تعلّميّة بشكل خاصّ والمتفوّقين على المضي قدمًا في تفوّقهم مطلب للمتعلّمين والمعلّمين والأهل والمدرسة والمجتمع بشكل عام، وهو حقّ لهؤلاء، وعلى المدرسة القيام به وصولاً إلى عمل تربويّ يسمو بالإنسان إلى مراتب أعلى في مسيرة تنمية استعداداته الفكريّة والعاطفيّة والاجتماعيّة والحسيّة والحركيّة.
فوائد عمليّة الدّعم
وعادة ما تلجأ المؤسسات التعليميّة إلى عمليّات الدّعم لما لها من فوائد، فهي تسهم في زيادة فرض المؤسسة التّعليميّة في مجال تعميم بلوغ أهدافها، والتّخفيف من عمليّات التّأخر الدّراسيّ، والرّسوب، والتّسرّب المدرسيّ وبالتّالي من كلفتها الماديّة وآثارها السّلبيّة، كما تخفّف من آثار الفروقات الفرديّة عبر العمل على تقريبها، ممّا ييّسر العمليّة التّربويّة على المعلّم والمتعلّمين، وتسهم في الإسراع من عمليّة التّعليم والتّعلّم بسبب مواكبة المتعلمين لأقرانهم من دون إبطاء كنتيجة لزيادة تجاوبهم مع العمليّة، وإضفاء أجواء إيجابيّة محبّبة في المدرسة ممّا يعطيها أجواء العائلة التي يسودها التّعاون وتضافر الجهود من أجل نجاح الجميع، وتنمية الثّقة بالنّفس لدى المتعلّمين وتحسين صورة المدرسة في أعينهم.
أسباب الثّغرات والعقبات التّعلميّة
من الضروري جدًّا البحث عن أسباب الثّغرات والعقبات التّعلّميّة التي يواجهها التّلاميذ، وعدم الاكتفاء بالسّعي إلي إزالتها أو ردمها؛ لأنّه لا فائدة من ردم الثّغرات أحيانًا إذا لم تعالج أسبابها. إنّ علاج الأسباب يجب أن يسبق، أو في الحدّ الأدنى يتزامن في بعض الحالات مع علاج الثّغرات من أجل ضمان عدم تجدّدها، ومن تلك الأسباب:
المعلمّ : يجب التّأكد أنّ المعلّم يمتلك مفاهيم المادة المعرفيّة بشكل كاف، ويمتلك كفاية الشرح والاستفادة من سؤال المتعلّمين عن الموضوع، ومتمكن من لغة التّعليم، ومهتمّ بتحضير دروسه، وينوّع طرائق التدريس وأساليبها ويهنمّ بالتّقويم المستمر لتلامذته للتأكّد من تحقيق الأهداف التي وضعها، والكفايات التي يمتلكها التلاميذ.
وهناك عوامل أخرى تؤثّر في تأخّر التّلاميذ منها : عدم الاستقرار الوظيفيّ، وشخصيّة المعلّم، فقد لا يكون المعلّم قادرًا على ضبط الصف، وقد لا يعطي الدّرس حقّه من الزّمن.
كما تؤثّر تّوقعات المعلّم من التّلاميذ في مستواهم الدّراسيّ، فقد أوضح الباحثون أنّ توقعات المعلّم لها تأثير قويّ في إنجاز التّلاميذ، فإذا توقّع المعلّم من تلامذته أداء جيّدًا، وأنّ لديهم الدّافعيّة للتعلّم، فسيعمل التّلاميذ بجدّ ويهتمون بدروسهم، والعكس صحيح.
المتعلمّ : قد يتّصف بعض التّلاميذ بمواصفات ذاتيّة مثل : بطء في التعلّم، وتشتّت في الانتباه وعدم القدرة على التّركيز، والحركة الزّائدة، وقد لا يمتلك التّلميذ إمكانية توظيف الكفايات والمعارف في مواقف جديدة، وبعض التّلاميذ لا يمتلكون طريقة لفك الرّموز ،ولا يفهمون المعطيات والأسئلة الكاشفة عن تحقّق الأهداف نتيجة لعدم اكتمال نضجهم، وقد تؤثّر صورة المادة والمعلّم في أعين التّلاميذ بإلاضافة إلي الصورة التي لديه عن نفسه.
وقد يكون ضعف مستوى بعّض التّلاميذ ناتًجا عن اللامبالاة وقلّة الاهتمام بالمدرسة، ورفض المعلم أو الأقران ،أو نقص في المكتسبات القبلية، مثل الضعف التّراكميّ من السنوات السّابقة وبخاصة في مواد اللغات والرّياضيّات، وهناك تلاميذ يعتمدون طريقة خاطئة في الدّراسة، فهم لم يتدرّبوا عليها.
المادة المعرفيّة : يعدّ الكتاب المدرسيّ من حيث : صعوبة النّصوص فيه، وتقسيم المادة الدّراسيّة بشكل غير مناسب، وقلّة المواضيع المطروحة التي ثثير اهتمامات التّلاميذ، وتركيزه على أهداف تعليميّة غير متلائمة مع مستوى التّلاميذ من الأسباب في انخفاض مستوى التّلاميذ الدّراسيّ.
عوامل أسريّة : إنّ ما يحدث في الأسرة من مشاكل تزعزع كيانها، وتعرّض الأبناء للمشاكل التي تنجم من الخلاف بين الوالدين، وانفصالهما لها آثار أشدّ خطورة من تلك التي تنجم عند فراقهما، كما أنّ حدوث الطّلاق بين الزّوجين يؤدّي إلي انخفاض مستوى دخل الأسرة الأمر الذي ينجم عنه مشاكل ماديّة واجتماعيّة تؤثّر في حياة الأبناء وإنجازهم الأكاديميّ.
ظروف عمل المعلّم : مثل ازدحام الصف بالتّلاميذ، وكرة نصابه من الحصص الدّراسيّة، وتوقيت الّحصة في اليوم الدّراسيّ، والأنظمة المدرسيّة مثل : نظام التّقويمّ والتّرفيع واستقبال التّلاميذ الجدد، كلها تؤدّي إلي ظهور ثغرات في العمليّة التّعليمية.
تحديد الثّغرات والعقبات التعلمية
يبدأ تحديد الثّغرات التّعلميّة عند بعض التّلاميذ حين ملاحظة المعلّم لها، بعدها يلجأ المعلّم إلي تحديد كفايات التّلميذ غير المكتسبة لديه عن طريق إجراء اختبار تشخيصيّ، فمثل هذه الاختبارات تساعد في كشف الكفايات غير المكتسبة في مادة واحدة، أو تلك الكفايات المتعلّقة بمسارات تفكير التّلميذ التي تتجاوز المادة المعرفيّة ( تحليل، تصنيف، حل المسائل) .
أشكال الدّعم ...
الدّعم بالتّغذية الرّاجعة
يتمّ هذا النّوع من الدّعم بتزويد التّلميذ بالاختبار بعد تصحيحه، مع الإشارة إلي الأخطاء والطّلب منه القيام بتصحيحها بنفسه، أو عن طريق مقابلة إجاباته مع الإجابات الصحيحة، والمطلوب هنا تحفيز التّلميذ ومكافأته بزيادة علاماته عندما يحسن تصحيح أخطائه، ومن المفيد جدًّا للتّلميذ أنْ يعي مَكْمَنَ خطئه حتى يتجاوزه، ويمكن للمعلّم سؤال التّلميذ عند الّضرورة بعد توفير الطّمأنينة له، بهدف استطلاع طريقة تفكيره وعمله سعيًا وراء اكتشاف العقبة أمام تعلمه، كمقدمة لمساعدته على تجاوزها.
الدّعم بالتّكرار أو عبر تنفيذ نشاطات إضافيّة
يطلب من التّلميذ مراجعة الهدف غير المكتسب، أو يقوم المعلّم بتكرار شرح المادة ،أو الطّلب من تلميذ متمكّن من المادة مساعدة زميله الذي لم يتمكّن من تلك المادة، والتّأكّد من قيامه بذلك، كما يمكن القيام بتمارين ونشاطات إضافيّة، ينفذّها التّلميذ وحده تحت إشراف المعلّم أو الأهل أو الأقران.
الدّعم باعتماد استراتيجيّات تعليميّة تعلميّة خاصة
يقوم المعلّم بتعليم التلميذ بمفرده، وهذا النّوع من التّعليم يعتبر من أحسن أنواع الدّعم، إلاّ أنّ تطبيقه يستحيل في الصف، لذا فهو يحتاج إلي إمكانات بشريّة وماديّة.
من خّلال الحصة الدراسيّة ويتابع تنفيذه المعلّم أو من يساعده، وفي حالّات محدودة يمكن أن يقوم تلميذ من خلال العمل الثّنائيّ، أو يمكن تبني تلميذ مكتسب للأهداف والكفايات لآخر لم تتحقّق لديه هذه الأهداف، وقد يكون التّلميذ المعلّم من الصف نفسه أو من صفّ أعلى أو من خارج المدرسة.
يمكن تشجيع التّلميذ على متابعة برامج متخصصة على الكمبيوتر، أو متابعة برامج على التّلفاز المدرسيّ في مركز مصادر التّعلم، وكذلك إشراكه في الأنشطة المدرسيّة مثل : المشرح، أو إعداد مقالة ،أو المطالبة بقراءة كتب خارجية مساعدة تناسب مستواه.
في البيت وفي هذه الحالة يشرف على العمليّة الأهل أو معلّم خاصّ، شريطة التّنسيق مع المدرسة والاتّفاق معها على الكفايات المطلوبة وطريق العمل وآلية متابعة النّتائج، ولكن للأسف هذا لا يحدث نتيجة تفشي مرض الدّروس الخصوصيّة في المجتمع من جميع فئات التّلاميذ الذين هم بحاجة إليها، أو غير المحتاجين لها.
مقتبس : سلوى عبد الأمير سلطان