لا نتوقف عن اللعب لأننا كبرنا ، بل نكبر لأننا توقفنا عن اللعب
/ جورج بيرنارد شو .
يعتبر الطفل أن اللعب هو غاية بحد ذاته ، فهو يلعب ليلعب لا يهتم بإرشادات الكبار ولا لتحذيراتهم من خطورة ما يفعل ، إنه فقط يستمتع بما يقوم به ، وبالنسبة له إن اللعب حاجة ضرورية وأساسية في حياته يتعرف من خلالها بواسطة حواسه الخمس على العالم من حوله . دون أن يدرك أنه وبهذه الوسيلة البسيطة والممتعة يكتشف العالم بمكنوناته . فهو يلعب بشكل متواصل دون أي شعور بالتعب أو الإرهاق أو الملل حتى لو كان يكرر النشاط نفسه لساعات .
// اللعب بالنسبة للطفل بوابة العبور الى الحياة //
أهمية اللعب بالنسبة للأطفال :
وجد اللعب مع الإنسان منذ وجوده الأول ، فهو يولد ولديه الاستعداد التام ليلعب بالفطرة دون أن يعلمه أحد كيف يلعب وكيف يستمتع بما يلعب ، فهو حاجة أساسية في حياته مثل الاكل والشرب .
" يعتبر الاهتمام باللعب عند الأطفال قديم قدم الاهتمام بالطفولة ذاتها ، ويؤكد علماء النفس أن للصغار عملا يزاولونه وهو اللعب ، وبهذه الطريقه يكتشفون العالم ويتعلمون الملاحظة والمنطق ومخالطة المجتمع ، انه ينمي لديهم قدرة الخلق والاختراع ، لذلك يعد اللعب حاجة ضرورية أساسية لنموهم وتكوين قدراتهم الجسدية والعقلية والنفسية وخلق الثقة في نفوسهم وبث الاطمئنان والسرور في قلوبهم ".
اللعب عند الأطفال |
إن أي نشاط يقوم به الطفل غايته المتعة وهذا التصنيف يستعمله سواء خلال المذاكرة أو الأعمال المنزلية ، ولكي نكسب كل ما نريده من الابناء علينا أن نحصل عليه بأسلوب اللعب والمتعة .
دور اللعب في تطور شخصية الطفل :
من المؤكد أن اللعب ليس نشاطا عبثيا بل هو نشاط ينمي الطفل من خلاله كل المهارات التي يحتاجون اليها في المستقبل من أجل حياة تتسم بالنشاط والنجاح والثقة بالنفس .
اللعب أساس تطور الشخصية وتطور التعلم لدى الأشخاص
"تتكشف خصائص شخصية الطفل وقدراته وميوله ورغباته وتنمو وترتقي من خلال النشاطات والسلوكيات المختلفة التي يمارسها "
ويؤدي اللعب دوراً أساسيا في بناء شخصية الطفل من الناحية الجسدية والفيزيولوجية ، فيساعد الطفل على تنمية عضلاته وترويض جسمه بشكل فعال ، كما يساعد في التخلص من الطاقة التي اذا ما احتبست تجعل الطفل متوترا عصبيا وغير مستقر .
"من خلال اللعب يتزايد التطور الذهني بشكل ملموس ، وتتكون لدى الطفل القدرة على اكتشاف وتحليل واختبار العالم المحيط به ، ويستطيع تحسين المهارات والمعرفة التي يمتلكها وتعميقها ويمكنه تطوير شعور تأملي وحب استطلاع قد يستمر مدى حياته ."
ويقول فردريك فروبل " أن الولد الذي يلعب جيدا ، وبصورة مثابرة الى درجة الارهاق البدني يصبح شخصا قوي العزيمة عندما يكبر وقادرا على التضحية بالنفس في سبيل خيره وخير الاخرين ".
التعلم القائم على اللعب :
نحن نلعب ولكن في الوقت نفسه من خلال الوقت الذي نمضيه في اللعب قادرين على تطوير مهارات مختلفة وتوسيع آفاق معارفنا .
وتقول هيدي فريدريش :" يعتبر اللعب من الشروط الاساسية لعمليات التعلم والتعليم فهو يعزز التطور الذهني والاجتماعي والحركي والابداعي لدى الاطفال ".
فاللعب إذا هو بمثابة اكتساب خبرات جديدة بالنسبة للطفل ومن خلاله يتم التعرف على الحقائق ويستنتج العديد من الاشياء التي كان يراها خيالية أو وهماً . ومن هنا نجد ان المناهج التربوية الحديثة المُعتمدة في رياض الاطفال مبنية على اللعب ، فهي تحاول من خلال اللهو توصيل رسائل تربوية وتعليمية مختلفة وقد تكون معقدة بالنسبة للطفل لو حاولنا ان نقدمها له بقالب جدي بعيداً عن اللعب والرسوم والالوان .
فمن خلال ممارسة اللعب يستطيع الطفل أن ينمو جسديا بشكل جيد ومتوازن ، كما يتمكن من التحكم بعواطفه ، ويوثق علاقاته الاجتماعية مع الاخرين خاصة في الألعاب الجماعية ، ومن خلال اللعب ايضا يتمتع الطفل بقدرات التفكير الناقد ومهارات حل المشكلات كما يتعلم فنون اللغة من الاستماع الى التحدث بما يساهم في توفير معارف أساسية حول أمور حياتية مختلفة .
يقول هنس شويرل وهو من أشهر الباحثين في مجال اللعب : " إن اللعب يوفر ميدانا لخوض التجربة ، وجمع الخبرة لا يمكن تعويضه ، وبدونه سنكون أقل مهارة ".
فوائد اللعب :
ان اللعب يهيئ للطفل فرصة فريدة للتحرر من الواقع المليء بالالتزامات والقيود والقواعد والأوامر ، بحيث يتصرف بحرية دون التقيد بالقوانين .
ويعتبره فريدريك فروبل وهو مرب الماني " صمام الأمان لعواطفه وانفعالاته ، وهو أفضل وسيلة للتعبير الواضح عما يشعر لأنه لا يستطيع الافصاح عنها بالكلام ".
فاللعب " يعزز انتماء الطفل للجماعة ، ويتعلم من خلاله التعاون واحترام الاخرين ، إضافة إلى احترام القواعد ويلتزم بها ، ويؤكد ذات الطفل من خلال التفوق فرديا وجماعيا ."
وبات واضحا أهمية اللعب من الناحية الجسدية فالحركة ضرورية لنمو عضلات الطفل والمحافظة على عظام قوية فهذه التمرينات اليومية المتنوعة تكسب الطفل صحة ورشاقة وتبعد عنه السمنة والامراض المزمنة الاخرى التي أخذت تتفشى في مجتمعنا بسبب جلوس اولادنا لساعات طويلة أمام شاشة التلفزيون او الكمبيوتر . كان الطفل قديما يلعب طوال اليوم ولا يجد سبيلا اخر للتسلية غير اللعب ، يبتكر كل يوم هو وأقرانه وسيلة جديدة ليلهو بها .
اما من الناحية التربوية فاللعب يفسح المجال امام الطفل لكي يتعلم الكثير واهم ما يتعلمه قواعد السلوك والنظام الانضباط .ويكتسب من خلاله انماط مختلفة من القواعد والمعايير السائدة في مجتمعه .
وفي المجال الاجتماعي يرتبط اللعب بحياة الشعب وبهويته الثقافية فالطفل ابن بيئته لهذا نجد ان ابناء السواحل يجيدون بالفطرة السباحة والغوص ويجيدون صيد السمك والالعاب المائية المتنوعة بمهارة بينما نجد اولاد الجبال يهوون تسلق التلال ويمضون ايامهم في اللعب بين الاحراج والبساتين وممارسة هواية الصيد .
أما من الناحية النفسية فاللعب يحقق وظيفة هامة من الناحية الذاتية حيث يكتشف الكثير عن نفسه كمعرفة قدراته ومهاراته وميوله .
اللعب اذا هو المكان الذي يتعلم فيه الطفل الشيء الكثير عن نفسه وعن الاخرين انه يبني العقول والاجسام ويعزز الوعي الاجتماعي عند الطفل ويقوي من وعيه الذاتي ويسمح له بالتعبير عن نفسه .
وعلى الرغم مما نعرفه عن أهمية اللعب في حياة أولادنا إلا اننا نمنعهم من اللعب ، لماذا ؟
هناك بعض التصرفات الخاطئة التي يقوم بها الكبار لمنع الأطفال من اللعب جاهلين بذلك أن تقيد حركة الطفل ومنعه من اللعب يؤدي إلى انعكاسات سلبية ويخلق سلوكيات وأوضاع نفسية قلقة غير متوازنة والاستمرار في هذا التصرف يؤدي إلى شعور الأطفال بالنقص تجاه أقرانه . وبالتالي يؤدي إلى انعزاله عن الآخرين وقد تتطور به الحالة إلى الكذب والعصيان ومن الضروري تفهم حاجة الطفل للعب لأنه يمتلك طاقة من النشاط لابد من تفريغها بحركات معينة وإذا حجز عن تفريغها يؤدي إلى أضرار نفسية وجسمية .
فبعض الأهل يعتبرون أن اللعب يأخذ الكثير من وقت الطفل ويشغله عن الدراسة او المطالعة او حتى المشاركة في الانشطة الرياضية . وهنا يقع اللوم على المناهج الاكاديمية المعتمدة في مدارسنا ، والتي تطلب من الطالب والأهل الكثير من الجهد والوقت، ولهذا يعترض الأهل على لعب اطفالهم ويعتبرونه مضيعة للوقت المحدد للمذاكرة . وهنا تبدأ المشكلة ، فالطالب الذي جلس لساعات طوال على مقاعد الدراسة ليتلقى المعلومات دون أية حركة تذكر ، يشعر عند عودته الى البيت أنه يحتاج الى بعض الترفيه ليجدد نشاطه ويستعد للواجبات المدرسية ، وهذا اللهو ينظر اليه الأهل بطريقة مختلفة ويعتبرونه وقتا ضائعا . فيبدا الطفل بالدرس وهو غير قادر على التركيز ويشعر بالملل والتعب حتى قبل أن يبدأ. فنراه غير قادر على الثبات في مقعده ويختلق الحجج ليهدر الوقت ويذهب هنا و هناك . لأنه متعب .
ولا يعتبر تأدية الواجب المدرسي هو السبب الوحيد لمنع الطفل من اللعب واللهو فان اي أم تحب طفلها باعتباره أثمن ما لديها ؛ لذا تشعر الأم بأن عليها أن تحميه من أي أذى أو ضرر قد يصيبه ، ولكن الحماية الزائدة على الحد تجعلها تشعر بأن طفلها سيتعرض للأذى في كل لحظة ، ومن دون قصد تملأ نفس الطفل بأن هناك مئات من الأشياء غير المرئية في المجتمع تشكل خطرًا عليه ، ومن ثم يشعر الطفل بالخوف ، ويرى أن المكان الوحيد الذي يمكن أن يشعر فيه بالأمان والاطمئنان ، هو وجوده إلى جوار أمه ، ومثل هذا الطفل يشعر بالخوف دائما ولا يستطيع أن يعبر الطريق وحده ، أو يستمتع بالجري أو اللعب أو السباحة في البحر ؛ لأنه يتوقع في كل لحظة أن يصاب بأذى ، ويظل منطويـا خجولاً بعيدًا عن محاولة فعل أي شيء خوفـا من إصابته بأي أذى .
وفي بعض الأحيان يصل خوف الأم على طفلها إلى درجة تؤدي إلى منعه من الاختلاط واللعب مع الأطفال الآخرين خوفـًا عليه من تعلم بعض السلوكيات غير الطيبة أو تعلم بعض الألفاظ غير اللائقة فيصبح الطفل منطويـًا خجولاً يفضل العزلة والانطواء ، ويخشى من الاندماج في أية لعبة مع الأطفال الآخرين .
ونجد أيضا بعض الاهل الذين يمنعون اولادهم من اللعب خوفا عليهم من التعرض لأية اصابات او اضرار صحية مثلا : الطقس حار جدا في الخارج لا يمكنك اللعب او العكس الطقس بارد جدا ، حرارة الشمس قوية ستتعرض لضربة شمس. لا تلعب على العجلات قد تسقط وتتسبب لنفسك بإصابات مختلفة من خدوش وغيرها .. هذا القلق الذي يفرضه الاهل على الطفل وخاصة الام يمنعه من ان يحقق الاشباع النفسي الذي يحصل عليه من خلال التواصل مع رفاقه فيصبح خجولا غير قادر مواجهة الحياة ويجهل طريقة التعاطي مع الاخرين . فالطفل الخجول في الواقع طفل مسكين وبائس يعاني من عدم القدرة على الأخذ والعطاء مع أقرانه في المدرسة والمجتمع ، وبذلك يشعر بالمقارنة مع غيره من الأطفال بالضعف .
مهما اختلفت آراء التربويين الا انها أجمعت على اهمية مرحلة الطفولة في بناء شخصية الانسان المستقبلية ، فإذا ما اعترى تربية الطفل أي خلل فإن ذلك سيؤدي حتما الى نتائج غير مرضية تنعكس سلبا على مستقبله .
و من هنا يكون دور الآباء هو التوجيه وتصحيح الأخطاء، ومحاولة الدلالة على أنواع اللعب المفيدة، مع ترك مساحة لحرية اختيار الابن لنوعية اللعب واللعبة دون إجبار وتدخل مباشر.
كيف نختار الالعاب المناسبة :
يجب استغلال حيز كبير من وقت اللعب لدى طفلك في تقديم الالعاب التعليمية وذلك بتقديم المعلومة بطريقة مرحة وممتعة تشعره بأنه يقضي وقته في اللعب فقط ، بينما يكون في الوقت نفسه يكتسب الكثير من المعلومات والمهارات التي ستساعده في السنوات القادمة خاصة عند دخوله الى المدرسة .
يجب على الاهل عدم الاستخفاف بأي نشاط ترفيهي يقوم به ولدهم فلكل لعبة ايجابياتها التي يتعلم من خلال الولد الكثير من المعلومات سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة ، مثلا ان الالعاب التي تحتوي على ادوات شخصيات معروفة كالطبيب والمهندس والعامل والطباخ يستفيد منها الطفل من خلال تقليد حركاتهم وطريقة تصرفهم ، هذه الالعاب تعلمه ما تقوم به كل شخصية.
وأخيراً يجب أن نهتم بأطفالنا ونلعب معهم ونشرف على عملية اللعب من خلال توفير مساحات واسعة وألعاب مناسبة ليمارسوا حقهم باللعب دون معرفة الطفل ومن الضروري توجيه وتنظيم عملية اللعب باتجاه تنمية الجسم والنفس وبالتالي تنمية القدرات العقلية.
وتقول احدى المجلات الطبية إنه حينما تعطي طفلك (2 -6 سنوات) مكعبات ألعاب ثم تطلب منه تركيبها، سيقوم طفلك بتركيبها وبينما هو منهمك في ذلك النشاط الذهني فإن خلايا دماغه العصبية تبدأ في الترابط والبناء مع كل حركة أو مهارة تركيب وما يصاحبها من تفكير، وهكذا كلما تعرض الطفل إلى مواقف تتطلب مهارات خاصة أو حتى عادية فإن خلايا دماغه تبني ذاتها ويترابط البناء على تلك المهارات والتجارب، هذا ما اكدته دراسة حديثة.
وتستطرد المجلة أنه كلما تعرض الطفل لمواقف تحفز على الذكاء أو تتطلب مهارات تفكير عالية كالانخراط في اللعب واللهو في فناء المنزل أو من خلال التدرب على الرسم، فإن العشرات من خلايا دماغه العصبية تبنى وتترابط بموجب تلك المهارات لتشكل نماذج تعمم مستقبلا على معظم المواقف التي تواجهه، وهذا ينطبق على المواقف والمهارات التي لا تحفز على الذكاء.
وتوضح الدراسة أن منع الطفل من ممارسة الأنشطة المختلفة كالموسيقى مثلا سيؤدي إلى ضمور أو موت بعض خلايا الدماغ العصبية الخاصة بالموسيقى ما يعني فقدانه نهائيا للرغبة في الاستمتاع لصوت ونغمات الموسيقى، وهذا ينطبق على الكثير من النشاطات والممارسات اليومية التي عندما يحرم من ممارستها فإن دماغه لن يعمل بكامل طاقته ما يعني تدني مستوى كفاءته العقلية ما تجعل الحياة أمامه والى الأبد أكثر تحديا وصعوبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها