الخميس، 14 مايو 2020

المتاحف في لبنان .. مرآة المجتمع وثقافته


المتاحف في لبنان .. يمتلك لبنان تراث متنوع لذا بها الكثير من المتاحف التي تعبر عن أشياء مختلفة كالأحداث التاريخية أو أسلوب الحياة بالماضي أو الصناعات القديمة .

وسنستعرض هنا بعض المتاحف المميزة في لبنان، والتي تعتبر خليط متجانس بين التاريخ والحياة المعاصرة وتقدم لك فكرة واضحة عن تاريخ البلاد وعن مجريات الأحداث التي عصفت بها .


 المتحف الوطني اللبناني وجه من التراث الانساني

متحف بيروت الوطني هو المتحف الرئيسي للآثار في لبنان، يقع في العاصمة بيروت، وقد بدأت مجموعة المتحف بعد الحرب العالمية الأولى وافتتح رسميًا في عام 1942، يضم المتحف مجموعات يصل عددها حوالي 100 ألف قطعة معظمها عبارة عن آثار وموجودات من العصور الوسطى من الحفريات التي اضطلعت بها المديرية العامة للآثار، ويتم عرض حوالي 1300 قطعة أثرية تتراوح في تاريخها ما بين عصور ما قبل التاريخ إلى فترة المماليك في العصور الوسطى .


خلال الحرب الأهلية عام 1975 وقع المتحف على خط التماس الذي يفصل بين الميليشيات والجيوش الإسرائيلية والسورية، فعانى المتحف ومجموعاته من أضرار جسيمة أثناء الحرب ولكن أنقذت معظم القطع الأثرية من خلال تدابير وقائية.

قررت السلطات إغلاق المتحف، وبدأت التدابير الوقائية الأولى داخله فتمت إزالة القطع الأثرية الصغيرة المعرّضة للهلاك من واجهة المبنى وإخفائها في حجرات التخزين في السرداب الذي تم تسويره بعد ذلك مما يحظر أي وصول الى الطوابق السفلية، وفي الطابق الأرضي كانت توجد الفسيفساء التي تم تثبيتها في الأرض مغطاة بطبقة من الخرسانة، وكانت التماثيل والتوابيت محمية بواسطة أكياس الرمل، وعندما وصل الوضع الى أسوأ حالاته عام 1982 كانت التحف الأثقل مغطاة بالخشب والخرسانة.

عند انفجار الوضع الأمني عام 1975، بادر المسؤولون الى حماية مجموعات المتحف النادرة، عبر تغطية قسم منها كالنواويس بطبقة كثيفة من الباطون المسلح، ونقل القسم الآخر خارج المتحف الى الطبقة السفلى من مبنى مصرف لبنان المحصنة بجدران سميكة لا تخترقها القذائف،وحماية قطع الفسيفساء بعازل سميك من أوراق بلاستيكية مغلفة بالإسمنت.

رغم هذه الاحتياطات، نخر القصف مبنى المتحف، وأصاب محتوياته تلف كبير مع مرور الوقت من دون صيانة، أو لتسرب المياه المالحة من شقوق الفجوات وتجمعها داخل المخازن وتآكل القطع الأثرية الحجرية الكبيرة من الأملاح لتركها في أغلقة الطوارئ من دون أي تهوئة، وبلغت القذائف عمق الردهات الداخلية، فقضت على موجودات فيها كانت تنتظر فرزها وفهرستها، وإذ بمكتبة المتحف (17 ألف مجلد) تتبعثر بين الركام. كما فقدت جميع معدات المختبرات، وكذلك تم نهب بعض محتويات المتحف .

 ترميم المتحف وإعادة افتتاحة

وبما ان مهمة المتحف وقسم المديرية العامة للآثار لا تقتصر على عرض المحتويات فحسب، بل على حفظها وترميمها وتوثيقها، كان لا بد من ترميم المبنى ومحتوياته، فجاءت الخطط الاولى للترميم عام 1992 وتبرع غسان تويني بالأموال للباب الرئيسي الضخم الجديد للمتحف، وبمجرد وضع الأبواب والنوافذ تم اتخاذ قرار هدم الجدار الخرساني الذي يحمي مدخل السرداب .

مع بداية عام 1995 ارتفعت السقالات لترميم واجهات المتحف الخارجية، وبدأت في الوقت نفسه ورشة داخلية في مكاتب الادارة والموظفين وفي الطابقين الارضي والسفلي. وبعدها سمح للناس بالدخول للمرة الاولى بعد 20 عامًا من غلق المتحف.

وقد قامت وزارة الثقافة ومديرية الآثار بوضع خطة عمل توزعت على 4 مراحل شملت:

أ-ترميم الواجهات الخارجية

ب-رفع مكعبات الأسمنت عن القطع الأثرية الكبيرة

ج-فتح المستودعات تحت الأرض ووضع جردة بالقطع الصغيرة وترميمها

د-تصميم صالات العرض

وبعد عدّة مراحل من الترميم، تم حل المشكلة المزمنة التي عانى منها المتحف بسبب موقعه المنخفض المتمثلة في تجمع المياه الجوفية في الطابق السفلي وقاعاته. فتمكن مجلس الانماء والاعمار من سحب المياه وصرفها واعادة تجهيز المستودعات وعزلها عن الرطوبة بتكليف من وزارة الثقافة.

في العام 1999 بدأت الحكومة اللبنانية حملة واسعة لاستعادة الآثار التي سرقت أو تمت التجارة بها خلال الحرب الأهلية، وتم استرداد العديد من القطع الأثرية من المستودعات أو المنازل الخاصة حيث ينص القانون اللبناني على أن أي قطعة عمرها أكثر من 300 عام تعود للدولة (ملحق رقم 2 و3).

متحف ميم للمعادن:

متحف ميم هو متحف خاص يقع في بيروت في جامعة القديس يوسف. تم افتتاحة في أكتوبر 2013. يعرض المتحف أكثر من 2000 نوع من المعدنيات التي تم جمعها من قبل سليم اده منذ عام 1997، يمثل 450 نوعا مختلفا من 70 دولة، ويعتبر أحد أهم المجموعات الخاصة من المعدنيات في العالم.

يهدف الى إبراز النواحي الفنية والجمالية والعلمية والتاريخية والجغرافية والصناعية والاقتصادية كما الرياضية لعلم المعدنيات. كما يستضيف المتحف معرضًا للأحفوريات البحرية من لبنان .


  التسمية: "م" هو الحرف الأول من الكلمات: متحف، ومعدن، ومنجم، وهذه الكلمات تلخص فكرة المشروع.

 مجموعات المتحف :

في ست قاعات، خصصت كل واحدة منها لصنف معين من المعدنيات، تتوزع المعروضات في واجهات زجاجية تبرز رونق القطع، وتتمتع بالمواصفات والمعايير العالمية التي تحميها من عوامل الرطوبة والحرارة والغبار، فيما تسهم الاضاءة وطريقة العرض وتركيز القطع بإضفاء المزيد من الجمالية والذوق عليها.

أ-مجموعات معدنية:

عرض للمعدنيات وهي تسعة أصناف موزّعة بحسب الصنف الكيميائي الذي تنتسب إليه وعددها حوالي 900 معدنية. ظاهرة الخلق هذه، تشكّلت من دون أي تدخل بشري إنما بفضل مفاعيل تأثيرات الحرارة والانكباس، وبفعل بالغ التعقيد للماء، كما بفعل الزمن على الأخص. ويمكن للزائر التمعن بهذه الأصناف من خلال مشاهدة فيلم يقدّم معلومات مفصّلة حول مجموعة "م".


ب-غرفة الكنز:

 تستضيف غرفة الكنز المعادن الثمينة (الذهب والفضة) بالإضافة الى المواد المعروفة وصفا بالأحجار الكريمة أو النفيسة، والتي تم اصطفاؤها عمدًا على أساس شفافيتها، لونها، وأشكالها الهندسية الصريحة. وتحتوي على 21 واجهة بانورامية تسمح بمشاهدة النماذج من جميع الزوايا، كما هو الحال في معرض المجوهرات. وقد صممت الإنارة على نحو يتيح تسليط الضوء على تباينات اللون لإظهار بعض القطع، مثل الترانزيت والأحجار الكريمة كالزبرجد والتورمالين، وإبراز تفاصيل قطع أخرى مذهلة مثل الذهب والفضة الخيطية الشكل.

ج- مجموعة الأحافير:

غرف تكشف الأسماك الأحفورية من لبنان. يعرض المعرض أسلاف أسماك القرش والأشعة والسردين وكذلك القريدس وسرطان البحر والأخطبوط. تم شراء أفضل الحفريات، التي يعود تاريخها إلى 100 مليون سنة .


د- مجموعة فريدة ونادرة:

في زاوية من الفرائد عيّنات من قطع ثمينة وفريدة ونادرة تمكّن إده من الحصول عليها بعد مواجهات ومنافسات شرسة مع متاحف وهواة تجميع. في هذه الزاوية يطلع الزائر على المعايير المستخدمة ويكتسب معلومات إضافية عن الأحجار الكريمة والتقليد والجواهر، بواسطة شاشة تعمل على اللّمس. وعند مدخل القاعة، يتم عرض تمثال بالحجم الطبيعي لحفريات mimodac tylus libanesis الملقب بـ "mimo"، وهو أول زاحف طائر كامل تم العثور عليه في الشرق الأوسط .

هـ- قسم المعدنيات المشعّة:

معدنيات ذات نشاط إشعاعي من دون أن ينطوي الأمر على أي خطورة إلاّ انها تعرض في مكان محصّن بأعلى درجات الأمان، في واجهات زوّدت بفتحات خاصة تمتص الغاز المنبعث من النشاط الإشعاعي (الرادون) لتلفظه خارج المبنى ( ملحق رقم 7).

 الحفظ والحماية:

يعتمد المتحف على تقنيات الحماية الحديثة، وفق آخر ابتكارات التكنولوجيا. وكل جدرانه مصفّحة، ففي الواجهات تعرض المعادن التي تعود الى 250 مليون سنة، وأمامها تقف اللّوحات التي تشرح تفاصيلها من خلال تطبيق هاتفي خاص بالمتحف. هكذا يمكن لكل زائر يحمل الهاتف الذكي أن يتعرّف القطعة ويحصل على تفاصيلها على هاتفه النقّال. ولمن يفضّل الشاشات الكبيرة فهي تعرض الحجارة بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة بتقنية اللّمس.

"يلعب" الزائر بالمعادن، يديرها كما يريدن، يكبرها، يصغّرها، يدور حولها من كل الزوايا...والهدف أن تستقطب هذه التكنولوجيا الأطفال، فيزوروا المتحف ويتعلموا عن المعادن عبر الشاشات العملاقة التي تحاكي شغفهم بالوسائل التكنولوجية. (أبي ياغي، جان دارك، 2013).

  المتحف العلمي للطيور والفراشات والحيوانات: 

الجمال الطائر في المسافات حط رحاله في متحف فريد من نوعه هو "المتحف العلمي للطيور والفراشات" في القبيات. يعد المتحف الأول من نوعه في لبنان. بدأ كفكرة راودت مخيلة الأب أيوب يعقوب، وكان حلمًا لدى الأب فرنسوا طنب الذي جمع طوال 40 عامًا مختلف أنواع الفراشات اللبنانية.

الفكرة والحلم اجتمعا وتحوّلا الى حقيقة تجسدت في متحف ضم 132 جنسًا من طيور لبنان و 18 جنسًا من الحيوانات وأربعة آلاف فراشة جمعها الأب طنب من العالم كلّه. مجموعات المتحف ليست ثابته كما يقول الأب يعقوب فهو بصدد توسيعها لإضافة أنواع جديدة ومن أجناس أخرى .


 الهدف من إنشاء المتحف:

جاء المتحف بسبب افتقار لبنان الى مثل هذه المتاحف، وبسبب تعريف اللبنانيين على ثروة وطنهم الطبيعية وعلى تنوع طيوره وحيواناته وفراشاته، وجعلهم يدركون خطورة الصيد العشوائي. فإقامة المتحف كانت بمثابة دعوة الى حماية هذه الحيوانات والطيور التي تؤدي دورًا أساسيًا في التوازن البيئي (أبي ياغي، جان دارك، 2002).

 سياسة الحفظ في المتحف (التصبير أو التحنيط):

هناك نوعان من من التصبير: تصبير تجاري وتصبير فنّي دائم.

التصبير التجاري يكون بحقن الطير أو الحيوان بمادة الفورمول وهو مادة كيماوية تحفظه لفترة تتراوح بين السنة وعدة سنين. ثم ينتهي مفعولها. فيتعرض الطير للعفونة والاهتراء. هذا النوع من التصبير سهل ولا يقتضي وقتا ولا كلفة.


أما النوع الثاني فهو طريقة السلخ، يجرح جلد الطير من أول الصدر وحتى المخرج ثم تتم عملية السلخ بتأن كلي حتى المنقار ولا يبقى إلاّ الجلد مع الريش. ثم توضع اسلاك حديدية مكان العظام وقطن مكان اللحم. اثناء السلخ توضع مادة حامض البوريك (بودرة) على الجلد واللحم لئلا يتسخ الريش. ومادة حامض البوريك تحرق الجلد وتحفظه. هذا التحنيط يتطلب وقتا طويلا وانتباها كليا وكذلك صبرا ودقة في العمل. بعد ذلك يصار الى وضع الشكل النهائي الفني، وهذا يتطلب معرفة كيفية وقوف الطير وطيرانه. 

في الختام ، يبقى أن نقول أنه من أهم أهداف المتحف تحقيق المتعة والإشباع للزوار بالصورة التي تنال رضاهم ، وتتوافق مع الاحتياجات والاهتمامات الخاصة بالمجتمع .

فالمتحف هو مقر دائم من أجل خدمة المجتمع وتطويره ، مفتوح للعامة ويعمل على التواصل مع المجتمع بهدف تحقيق تنمية مستدامة ، وتضامن مجتمعي ، خاصة في ظل ما يواجه العالم المعاصر من متغيرات على المجتمع المحلي .

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها

( محو الامية المالية Financial literacy)

 هل ترغبون في معرفة المزيد عن المال وكيفية التعامل معه بذكاء؟ اليوم سنتعلم سوياً كيف نكون أذكياء مالياً  اليوم سندخل في رحلة ممتعة إلى عالم ...