تنتهي المرحلة الثانوية، لتبدأ عملية البحث
عن الاختصاص الذي يلبي طموحاتنا ورغباتنا من جهة، والذي يكون قادرا على تأمين
مستقبلنا ولقمة عيشنا في المستقبل من جهة أخرى.
ومع نهاية حفلة التخرج المدرسية، تبدأ عملية
البحث عن هذا الاختصاص القادر أن يحقق كل ما نحمله من أحلام وأماني.
هنا نبدأ في القراءة والتعرف على الجامعات
والاختصاصات الجديدة، والصدمة تكون كبيرة حين نعرف وفقا لإحصاءات حديثة اظهرها "بيت
.كوم " ( أكبر موقع للوظائف في الشرق الأوسط ) أن أكثر من أربعة من كل خمسة
(83%) من المهنيين في المنطقة سبق وفكروا بتغيير مجال عملهم، علما أن الراتب لا يكون
دائما هو الدافع الأساسي لهذا التغيير .
ومن الملفت أيضا ان (75%) من طلاب الولايات
المتحدة الامريكية لا يعرفون كيفية اختيار تخصصاتهم الجامعية، فيما (60%) منهم
يغيرون هذه التخصصات مع بداية العام الدراسي الثاني. فكيف الحال في دولنا العربية.
لهذا يتوجب علينا قبل أن نختار اختصاصنا
الجديد ان ندرس جميع الجوانب العملية لوظيفتنا المستقبلية (أي بعد التخرج).
مثلا: نجد ان شخص كثير الحركة والتنقل من
الصعب عليه التقيد بالوظائف المكتبية التي تتطلب منه الجلوس لساعات أمام أجهزة الكمبيوتر.
ومن المؤكد أن اختيار الاختصاص الخاطئ لا
يتوقف على سنوات الدراسة الجامعية فحسب، بل إن هذا الاختيار سيرافقنا مدى الحياة من
خلال اختيار عملنا في المستقبل، من هنا يتوجب علينا جيداً أن نعرف مدى ادراكنا
ووعينا لرغباتنا وميولنا الخاصة في كيفية اختيار اختصاصاتنا ومدى ملاءمتها
لشخصيتنا ، نضع أمامنا عدة خيارات لمهن المستقبل ، واختصاصات الغد ـ فإذا كانت
الفروقات بينها متقاربة إلى حد ما نكون على الطريق الصحيح لتحقيق غاياتنا، أما
المشكلة اذا كانت بعيدة كل البعد عن بعضها كأن نختار في المركز الأول هندسة داخلية
، وفي المركز الثاني محاسبة وفي المركز الثالث علم إجتماع ، هذه الاختصاصات مختلفة
كليا عن بعضها ، أما المقصود بالاختصاصات المتقاربة كأن تكون مثلا كلها في مجال
الهندسة وانما الاختلاف بين هندسة ميكانيك او هندسة طائرات ، او الاختلاف بين
هندسة مدنية وهندسة معمارية .
لهذا يتوجب علينا أن نراعي عدة جوانب أساسية
قبل عملية اختيار اختصاص الغد ومهنة المستقبل، منها:
أولا: ان يكون هذا الاختصاص نابع من رغبة
خاصة وقراءة معمقة لهذا الاختصاص واطلاع كاف بعيد عن إغراءات الوالدين وعن تحفيز
الأقرباء. فالأهل غالبا ما يرغبون أن يشاهدوا أولادهم في أعلى المراتب المهنية والمراكز
الاجتماعية ، وهنا يطلب الأهل مثلا من الطالب الضعيف في المواد العلمية أن يختار
اختصاص الهندسة الذي يعتمد كليا على الفيزياء والرياضيات، أو أن يطلب من الطالب
الذي يخشى رؤية الدم ويكره علوم الحياة أن يصبح طبيبا، لذا على الاختصاص ان يكون
مطابقا لأحلامنا وميولنا الشخصية ورغباتنا ، والاهم طبعا قدراتنا ( مثلا انا لا أجيد
الحفظ وأجد صعوبة في استرجاع ما احفظه من أرقام وتواريخ بسهولة لا اتخصص بعلم التاريخ
،او ان هناك وظائف تحتاج الى التعامل مع الناس والاحتكاك بهم يوميا وهي لا تتلاءم
مع طبيعتي الخجولة ) .
ثانيا: إن عملية الاختيار لا تتوقف على
الميول الشخصية، علينا أن نفهم سوق العمل وما هو مطلوب فيه، علماً أن الجامعات
دائما ما تعلن عن اختصاصات جديدة تواكب متطلبات العصر وحاجة سوق العمل (الروبوت كعلم
جديد). من هنا علينا أن نختار ما يتوافق مع مجتمعنا وسوق العمل في مكان إقامتنا.
تم الإعلان مؤخرا عن وجود كمية من النفط في لبنان، وعليه تكون الاختصاصات التي
تنسجم مع سوق العمل في المستقبل التي تعنى باستخراج النفط، مثل (هندسة بترول،
والكيمياء وغيرها) او اختيار هندسة زراعية في بلد يعتمد كليا في اقتصاده على
المحاصيل الزراعية.
ثالثا: من المهم أن نختار الهدف وعدم اللجوء
الى الشغف، جميعنا نرغب ان نحمل ألقاب كبيرة كالطبيب والمهندس والقاضي، ولكن كيف أصبح
طبيبا وانا درست قسم أدبي في المرحلة الثانوية، من هنا علينا أن نقول ان الشغف
وحده لا يكفي لتحقيق النجاح، وأن الحياة العملية تحتاج الى الإصرار والعمل ولكن
طبعا مع قدرات وامكانيات شخصية كافية. ومن هنا نشير أن هناك عدد من الجامعات التي
تقوم بإجراء اختبارات لشخصية الطالب وميوله تساعده على إختيار ما يتناسب مع رغباته
وقدراته، لتخفف عنه عناء الفشل بعد دراسته لفصل او فصلين في الاختصاص الخاطئ في
الجامعة.
رابعا: لنتعرف على خريجي هذا الاختصاص ولنذهب
الى مكان عملهم، ونعيش معهم لساعات او لأيام اذا امكن، ولنتعرف كيف يتعاملون مع ضغوطات
العمل، عندها نستطيع ان نبني قراراتنا على وعي كامل وإدراك، وليس فقط مجرد نزوات
ورغبات . إن الحقيقة تختلف كليا عن الأحلام، لهذا إذا جلسنا مع من تخرج من هذا
الاختصاص وعرض علينا السلبيات والايجابيات ومعاناته الخاصة وما يتم مواجهته يوميا في
عمله نستطيع عندها أن نتخذ القرار الصحيح.
خامسا : الأمور المادية أساسية في عملية
الاختيار والمشاكل وأعباء الحياة غالبا ما تكون سببا في اختيار هذا الاختصاص او
ذاك ، من هنا علينا ان نعرف اننا نقوم بتضحيات كبيرة ولكن لنحاول ان نصل الى اقل
قدر من هذه التنازلات ، مثلا انا ارغب ان أكون مهندس ميكانيك متخرج من جامعة خاصة
وهي الأقوى في هذا المجال بسبب العمل التطبيقي المتوفر فيها، ولكن إمكانياتي
المادية لا تسمح لي بالدخول الى هذه الجامعة أو ان هذه الجامعة بعيدة جداً عن مكان إقامتي
، من هنا علينا أن نقوم ببعض التنازلات كأن أعمل بعد دوام الجامعة لتأمين المدخول
المادي، أو أن استيقظ باكرا للوصول الى هذه الجامعة بسبب بعد المكان، أو ان انتقل
الى جامعة اقل تكلفة ، ولكن على ان ابقى ضمن المجال نفسه او اختصاص قريب له . ولكن يجب ان نرفض أن ننتقل الى الاتجاه المعاكس أنا ارغب في تعلم (علم الحاسوب) واتخصص في علم
النفس او علم الاجتماع في كلية الآداب القريبة من بيتي. لو نجحت في دراستك اليوم
الا انك لن تبدع ابداً في مهنتك المستقبلية التي ستمارسها لسنين بهدف كسب لقمة
العيش دون أي شغف تسعى الى تحقيقه في عملك يومياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها