إذا سألت شاباً متى آخر مرة أمسكت بها كتابا وقرأته،
يقول لك من دون تردد أو شعور بالخجل، أثناء الدراسة أو في الجامعة.
من هنا كان لا بد لنا أن نتوقف قليلا عند هذه
الظاهرة السلبية، وبحث أسبابها ونتائجها وتداعياتها. خاصة إذا علمنا أن كل 80
مواطناً عربياً يقرأون كتابا واحدا في السنة، في المقابل يقرأ المواطن الأوروبي
الواحد 35 كتاب سنويا، عندها يتوجب علينا أن ندق ناقوس الخطر، لأن أولادنا وشبابنا
أصبحوا جهلاء، لأن الجهل لا يعني عدم القدرة على القراءة والكتابة، بل عدم اكتسابنا
الخبرات بشكل متواصل، والتوقف عن القراءة والمطالعة يعني التوقف عن اكتساب
المعرفة.
يعتقد البعض أن قراءة بعض الأسطر اليومية من
هنا وهناك سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها تكون كافية بتزويدنا بكل
جديد، إلا أننا في الحقيقة نبدأ في القراءة في أول سطرين ثم ننتقل الى القراءة ما
بين السطور دون الامعان بالتفاصيل، وهكذا. كما أن البعض يعتبر إننا تحولنا من
القراءة في كتاب الى القراءة الالكترونية، ولكن هذا أيضا غير صحيح لأن الإقبال
على القراءة تراجع من 60% في سبعينيات القرن الماضي، إلى 33% في تسعينيات القرن
الماضي وإلى 2% في 2016 وذلك وفق احصائيات نشرت في الولايات المتحدة الامريكية.
بينما لم يتراجع استخدام وسائل الإعلام التقليدية على هذا النحو، حيث تراجع
التلفزيون والفيديو من 22% في تسعينيات القرن الماضي إلى 13% في 2016.
اننا نعلم جيداً أن بيت بلا كتب كجسد بلا روح، وإن المطالعة والقراءة للنفس
كالرياضة للجسم. ولكن نحن حاليا نقتني الكتب لتزيين زوايا البيت، ونذهب إلى معارض
الكتب لنتسوق ولكن ليس لنطلع على المعارف ولنتزود بالعلم، حتة اننا لا نعرف كيفية
اختيار الكتاب الذي نحتاج اليه لنطور معلوماتنا، وهنا الخطر الحقيقي.
ما الهدف من القراءة :
مما لا شك فيه ان أهداف القراءة والمطالعة كثيرة، وعلى سبيل المثال لا
الحصر الحصول على المعلومات الجديدة التي تغني مخيلتنا، تزويدنا بمعرفة العالم
المحيط بنا، تنمية حب الاكتشاف، فالمطالعة تجعلنا نكتسب المعرفة بقوالب مختلفة،
كما تساعدنا على الاستفادة من تجارب وخبرات غيرنا. كما تعتبر القراءة ركيزة أساسية
لتزويدنا بالمعلومات التي تجعلنا قادرين على التحليل وربط المعلومات والأمور
ببعضها البعض.
كيف نعلم أطفالنا القراءة:
قبل أن نطلب من أولادنا الإبتعاد عن وسائل الترفيه الحديثة (الألعاب الالكترونية، الايباد، التلفزيون) والتوجه الى الحديقة للعب،
علينا ان نصطحبه لمرات ومرات الى الطبيعة ونستمتع معه في أحضانها، كذلك القراءة على
الاهل ان يعرفوا دائما انهم القدوة لأولادهم، وقبل ان نطلب منهم اختيار كتاب
وقراءته علينا ان نقرأ معهم وأمامهم.
من هنا يتوجب علينا اتباع خطوات مدروسة ومحددة لنصل الى غايتنا وهي تشجيع
أطفالنا على القراءة، كيف؟
أولا علينا ان نعرف ما هي ميول أولادنا وما هي المواضيع والمجالات التي
تجذبهم، منهم من يحب النجوم والفلك ، ومنهم من يحب كتب الحيوانات، وبعضهم يهم
الرياضة ، وبعد تحديد نوع الكتب ومجالها ننتقل الى شراء الكتب التي تناسبنا،
نصطحبهم الى المكتبة أو معرض الكتاب نتصفح معهم الكتاب نتحدث عنه نطلع على مواضيعه
، بعدها نطلب منه هو أن يختار " كتاب واحد فقط " حتى لا يتشتت تركيزه أو
يخشى من الكمية المطلوب منه قراءتها ، نساعده على الاختيار بما أننا أكثر وعيا كأن
يكون الكتاب يتناسب مع مرحلته العمرية والفكرية ، وأن تكون المصطلحات والمعلومات
الموجودة فيه قَيمة ومفيدة.
بعد عملية الشراء ننتقل الى المرحلة التالية، وهي الأهم قراءة الكتاب
بطريقة مشوقة وليس كواجب علينا ان ننجزه ارضاء للأهل.
نطلب من الطفل أن يحدد بنفسه الوقت الذي يعتبره كافيا لإنجاز هذه المهمة،
نجعله بهذا يعتاد على القراءة من ناحية وعلى تنظيم وقته وإنجاز ما يطلب منه وصولا
الى تحقيق اهدافه ومبتغاه.
وهكذا مع تحديد الجدول الزمني يكون تحديد المكان هل يرغب في قراءته بواقع
نصف ساعة في غرفة النوم قبل النوم، او في غرفة الجلوس بعد القيلولة، ليختار هو
بنفسه.
وعلينا أن نعرف أن تكوين العادات الإيجابية تحتاج الى المثابرة والعمل
والقدرة على مواجهة نقاط الضعف، هذا بالنسبة للأشخاص البالغين، أما الأطفال فهم
بحاجة فقط الى القدوة الحسنة والرغبة والاستمتاع بما يتم إنجازه. لأن الأطفال هم
عجينة بين أيدينا نستطيع تعويدهم على غرس العديد من السلوكيات الجيدة بالطريقة
التي نريدها. فرؤية الطفل للأهل وهم يمارسون عادات معينة تحفزهم على تجربتها وممارستها
بأنفسهم.
وتبقى المرحلة الأخيرة وهي الاستمتاع بما تم إنجازه والاحتفال بما تم
تحقيقه كوسيلة للتحفيز على المثابرة. كالطلب من الطفل ان يروي لنا ما قرأه، ما هي
المعلومات التي اكتسبها، ماذا أضاف هذا الكتاب، وبهذا يستمتع الطفل من خلال مشاركة
تجربته مع الآخرين. ومع الوقت تصبح المطالعة عادة عند الأطفال حيث يشعر بحاجته الى
المزيد من المعلومات التي تغني عقله وادراكه .
ان اكتساب عادة القراءة لا تحتاج إلى أوقات فراغ أو إلى جهد إنما إلى توعية
وارشاد، وهنا نشير الى قرار أعلنه عمدة مدينة " كلوج نابوكا" الرومانية
حيث قال أن حافلات النقل ستكون متوفرة مجانا لكل من يقرأ كتابا خلال الرحلة، وذلك
بهدف تشجيع أهل المدينة على القراءة..
على أمل ان يصبح الكتاب رفيقا لنا، وصديقا يرافقنا في حلنا وترحالنا بدلا
من أن يبقى وحيداً على رفوف المكتبات أو في المتاجر، لأن كل كتاب هو عبارة عن
تجربة وخبرة وفكرة ومعرفة وضعها الكاتب بين أيدينا وتستحق القراءة.
أنظر أيضا :
الفشل الدراسي لا يعني السقوط في الحياة
أولادنا ووسائل التواصل الاجتماعى ..