أصبحت الألعاب الإلكترونية ظاهرة حقيقية في مجتمعاتنا إذ لا يكاد يخلو منها بيت ولا منطقة، تجذب الأطفال بالرسوم والألوان والخيال والمغامرة. فقد انتشرت انتشارًا واسعًا وكبيرًا ونمت نموًا ملحوظًا وأغرقت الأسواق بأنواع مختلفة منها ودخلت إلى أغلبية المنازل وأصبحت الشغل الشاغل لأطفال اليوم فترى الطفل متسمرًا إلى جانب الشاشات الإلكترونية مراقبًا ومنفعلاً ومشاركًا في صنع الانتصارات التي هي أشبه بانتصارات 'دون كيشوت' في محاربة طواحين الهواء! فما هي أخطار هذه الألعاب، وما هو دور الأسرة والمجتمع والمؤسسات التربوية والاجتماعية والثقافية في حماية وتوعية أطفالنا؟
ـ الأسباب النفسية والاجتماعية التي تقف وراء تعلق الأطفال بالألعاب الإلكترونية:
عامل جذب
إن الألعاب الإلكترونية بمختلف أنواعها تجذب الأطفال بما توحيه لهم من معارك حقيقية في الأدغال أو توهمهم دخول عصور ما قبل التاريخ مثل قتال الديناصورات والفضاء وكما ذكرنا في الأعلى، أن الرسوم والألوان والخيال والمغامرة، عامل جذب رئيسي للأطفال.
نقطة تركيز
أفكار وموضوعات الألعاب الإلكترونية متنوعة إذ يقدمون أحيانًا سباقًا للسيارات يتعود الطفل من خلالها على التركيز وتجنب الحواجز والقيادة إلى حد ما، أو يقدمون ألعابًا للخيال العلمي في الفضاء أو شخصية بطل خارق على نمط 'السوبر مان' يقارع الأشرار ويتغلب على المصاعب.
التماثل مع الأبطال
تشكل الألعاب الإلكترونية بالنسبة إلى الطفل إطارًا يتمثل فيه بطلاً يتحرك وينتقل ويعدل سلوكه والطفل يندمج مع البطل وإن التداخل والتكامل اللذين توفراهما لعبة الفيديو، يساهمان في تعلق الأطفال بهذه الألعاب، وتوفر للطفل إمكان التماثل مع الأبطال من خلال تعرضها لعقبات كالألغام والمتفجرات والعوائق الطبيعية التي يتوجب على بطل اللعبة التعامل معها.
عالم وهمي
الألعاب الإلكترونية للأطفال تخلق عالمًا وهميًا بعيدًا عن العالم اليومي ولكنه محدد في الزمان والمكان ويمثل موقعًا ماديًا وأحداثًا توفر له إمكانية تمثيل ذاته في إطار ما من خلال اندماجه ببطل معين أو يحقق ذاته من خلال محاولته السيطرة على هذا العالم الوهمي.
سيطرة على الذات
إن الأسباب الكامنة وراء تعلق الأطفال بالألعاب الإلكترونية والفيديو هي نفس الأسباب الكامنة وراء ممارسة أي لعبة حيث يمثل إطار اللعبة جزءًا من النشاط الاجتماعي يسعى الطفل من خاله إلى السيطرة على ذاته وعلى العالم.
أخطار الألعاب الإلكترونية:
1ـ التعرض لشاشة الكمبيوتر ولفترات طويلة من '6ـ7' ساعات تؤثر سلبًا على عين الطفل وتقوم بتدمير عقله، وتسبب له الألم في الظهر والكتفين بالإضافة إلى عزله عن أقرانه مما يسبب له صعوبة في التعريف على ذاته والخجل من الآخرين وكيفية التعامل معهم وكسبهم من خلال تلك الألعاب التي تتمثل بعضها في إصابة الكائنات في اللعبة حيث تتمزق إربًا وتقطع رؤوسها وتسيل دماؤها فإنها تسبب له عنفًا داخليًا ينعكس أحيانًا في بعض تصرفاته وسلوكياته.
2ـ قد تحمل شخصيات برامج الألعاب الإلكترونية أفكارًا خرافية أو عقائدية أو سلوكيات سلبية وهذا لا يتناسب مع الأطفال من حيث المحتوى والسلوك الأخلاقي.
3ـ الإدمان على الألعاب الالكترونية يؤدي غالبًا إلى إهمال الأطفال في مذاكرة دروسهم.
4ـ أثبتت الدراسات الطبية أن الأطفال اللذين يجلسون وقتًا طويلاً أمام شاشة الحاسوب يعانون صعوبة في تركيز البصر.
5ـ بروز ظواهر سلوكية غريبة حيث ينعزل الأطفال لساعات طويلة عن العالم المحيط بهم.
6ـ تقليص العلاقات الاجتماعية للطفل وعدم التكيف مع الآخرين وعدم فتح المجالات للحوار.
7ـ تساهم الألعاب الإلكترونية في إقصاء الطفل عن عادات طيبة كان يتمتع بها وإكسابه بدلاً عنها سلوكيات غير مرغوبة أسريًا واجتماعيًا كالسلوك الإجرامي.
8ـ إسراف الطفل في التعامل مع عوالم الرمز يمكن أن يعزله عن التعامل مع عالم الواقع فيفتقد المهارة الاجتماعية في إقامة الصداقات والتعامل مع الآخرين ويصبح الطفل خجولاً لا يجيد الكلام والتعبير عن نفسه.
9ـ قد تؤدي هذه الألعاب بما تحمله من أخلاقيات وأفكار سلبية إلى المزيد من الانفصال الأسري والترابط الإنساني مع الآخرين وارتباط الطفل بالقيم والأخلاقيات الغربية التي تفصله عن مجتمع وأصالته.
10ـ بعض الألعاب الإلكترونية تعزز النزعة الشريرة والعدوانية لدى الأطفال.
رأي خبراء الصحة
حذر خبراء الصحة من أن تعود الأطفال على استخدام أجهزة الكمبيوتر والإدمان عليها في الدراسة واللعب، ربما يعرضهم إلى مخاطر وإصابات قد تنتهي إلى إعاقات أبرزها إصابات الرقبة والظهر والأطراف، وأشاروا إلى أن هذه الإصابات تظهر في العادة عند البالغين بسبب استخدام تلك الأجهزة لفترات طويلة مترافقًا مع الجلوس بطريقة غير صحيحة أمامه، وعدم القيام بأي تمارين رياضية ولو خفيفة خلال أقات الجلوس الطويلة أمام الكمبيوتر.
ومن ناحية أخرى كشف العلماء مؤخرًا أن الوميض المتقطع بسبب المستويات العالية والمتباينة من الإضاءة في الرسوم المتحركة الموجودة في هذه الألعاب، تتسبب في حدوث نوبات صرع لدى الأطفال.
كما حذر العلماء من الاستخدام المتزايد لألعاب الكمبيوتر الاهتزازية من قبل الأطفال لاحتمال ارتباطه بالإصابة بمرض ارتعاش الأذرع والأكف.
وقد أشار العلماء أنه على مدى الخمسين عشرة سنة الماضية ومع انتشار ألعاب الكمبيوتر ظهرت مجموعة جديدة من الإصابات الخاصة بالجهاز العظمي والعضلي نتيجة الحركة السريعة المتكررة وأوضحوا أن الجلوس لساعات عديدة أمام الكمبيوتر يسبب آلامًا مبرحة في أسفل الظهر، كما أن كثرة حركة الأصابع على لوحة المفاتيح تسبب أضرار بالغة لإصبع الإبهام ومفصل الرسغ نتيجة لثنيهما بصورة مستمرة.
كما تشير الأبحاث العلمية إلى أن حركة العينين تكون سريعة جدًا أثناء ممارسة ألعاب الكمبيوتر مما يزيد من فرص إجهادها إضافة إلى أن مجالات الأشعة الكهرومغناطيسية والمنبعثة من شاشات الكمبيوتر تؤدي إلى حدوث الاحمرار بالعين والجفاف، والحكة وكذلك الزغللة وكلها أعراض تعطي الإحساس بالصداع والشعور بالإجهاد البدني وأحيانًا بالقلق والاكتئاب.
الآثار السلبية للألعاب الإلكترونية:
1ـ إن بعض الألعاب تحمل قيمًا معاكسة للتربية الحديثة فهناك الكثير من الألعاب التي تقدم قيمة الربح والخسارة عن طريق القمار المستتر بجهاز اللعب 'الروليت' إن لعبة 'حديقة الديناصورات' وهي لعبة للقضاء على أكبر عدد من الديناصورات وعلى بيضها مثال بشع من وجهة النظر البيئية.
2ـ بقاء الأطفال لفترات أمام شاشة الحاسوب والألعاب الإلكترونية الأخرى يؤثر على أجسامهم فيحرمهم من الحركة والرياضة.
3ـ الخوف على اللغة العربية من خلال استعمال الأطفال مجموعة كاملة من اللغات الأجنبية للإدخال والإخراج والتوقف والمتابعة ونهاية اللعبة.
4ـ الخوف على الهوية القومية من خلال استعمال الأطفال شخصيات وقيم وعادات بعيدة عن محيط الطفل الثقافي والتراثي دون رقابة وإشراف تربوي.
5ـ تأثير الألعاب على عدوانية الطفل وعزلته الاجتماعية.
6ـ التأثير على مستوى التحصيل الدراسي للطفل.
الآثار الإيجابية للألعاب الإلكترونية:
لا شك أنه لو كان للألعاب الإلكترونية ضوابط رقابية يحرص على تنفيذها بموجب تراخيص نظامية وبإشراف تربوي لكان لها بعض الإيجابيات من حيث إن الطفل يمكن أن يقضي فيها جزءًا من أوقات فراغه، يمارس ألعابًا قد تكون شيقة بالنسبة له مثل الألعاب الرياضية وألعاب الذاكرة وتنشيط الفكر وألعاب التفكير الإبداعي والابتكاري والألعاب الحسابية وغيرها، إضافة إلى التعليم عن كيفية استخدام الحاسب والبريد الالكتروني والدخول إلى مواقع الأطفال الهادفة على شبكة الانترنت.
ويقول أستاذ جامعي في علم الاجتماع: إن للألعاب الالكترونية جوانب إيجابية في تنمية مهارات الدقة والمتابعة والتركيز، فالتركيز المطلوب من اللاعب واندماجه بالجهاز واللعبة وسعيه لممارسة سلوك آلي تختصر فيه مساحة التفكير يشكل في المقابل وسيلة لتطوير قدرات سلوكية فعالة على الصعيد الإجرائي ويشكل تطوير الردود المناسبة والسريعة للتجاوب مع ظروف محددة مكسبًا لا يستهان به.