يشهد العالم في وقتنا الحاضر تطورات سريعة ومتلاحقة بحيث لم يعد الفرد يدور في نطاق الأسرة أو المدرسة بل تعدى ذلك بتعامله مع الحاسوب المرتبط بشبكات المعلومات العالمية.
هذا التطور المذهل حتم على أمناء المكتبات التغير تجاه هذه المتغيرات، لأن نجاح أو فشل المكتبة يتوقف على مقدرة أمين المكتبة في تسيير أمور المكتبة، وهذا بدوره اصبح يؤثر تأثيرا مباشرا على اتجاهات المستفيدين .
وحين يتطرق إلى مسامعنا مصطلح أمين المكتبة (Librarian) يتبادر إلى الذهن ذلك الموظف التقليدي الذي ينكب على الكتب والمخطوطات، فقديما كان يعهد بمسئولية المكتبة إلى العلماء والباحثين أو المثقفين الذين لهم دراية بالكتب، ولكن التغير الواضح في مهنة المكتبيين في عصر المعلومات لم يسمح لأمين المكتبة أن يكون مجرد حارس للكتاب أو المكتبة ، ولم يعد من مهامه اختيار المواد وتنظيمها ثم تقديمها فقط، فالنظرة الحديثة في عصر السرعة الفائقة في انتقال المعلومات جعلتنا في حاجة ماسة جدا إلى ما يسمى باختصاصي مكتبة المستقبل (CYBRARIAN) الذي يتعامل مع أجهزة الحاسوب، وهو الذي يرى المعلومات ولا يلمسها ، ويقوم بالاتصال بمختلف شبكات الاتصال الإلكترونية في كافة أنحاء العالم لتجميع المعلومات .
ومع تقدم العلوم التي صاحبها تزايد إنتاج المعلومات وظهورها في أشكال وأوعية مختلفة، وحتى لا يضيع هذا الإنتاج الفكري البشرى أخذ الإنسان يبحث عن وسائل تمكنه من جمعه ومعالجته وإتاحته للرواد وكان لابد من توافر الأطر المؤهلة للقيام بهذه الأعمال.
وفي خضم هذه الثورة المعلوماتية والتقنية يبرز لنا حاجة اختصاصي مكتبة المستقبل إلى التدريب، وتجديد معلوماته ومهاراته ورفع كفاءاته في مجال تخصصه، وهذا تأكيد لمصطلح التعليم المستمر أو المتواصل الذي يعنى تطوير المعلومات في مجال التخصص، وعليه فإن مكتبة المستقبل تختلف اختلافا واضحا عن المكتبة التقليدية ومن أشكالها إحلال مستودعات المعلومات الإلكترونية محل المطبوعات، وانتقال النشر من الطبع الورقي إلى النشر الإلكتروني.
إن المكتبي في عصر التقنية في وضع أفضل بكثير من الماضي، فجميع المقتنيات مختزنة إلكترونيا وبإمكانه أن يسترجع أي من الوثائق الموجودة، وحتى وإن كانت الوثيقة غير موجودة فيمكن استرجاعها على شاشة الحاسب، ففي ظل المكتبة الإلكترونية لا بد أن يتحول تركيز أمين المكتبة من الاهتمام بالوثائق وفهارسها إلى الاهتمام بالمستفيدين من قراء وباحثين، وبهذا سيترقى دور أمين المكتبة إلى اختصاصي المعلومات أو رائد للمعلومات، باعتبار ان التطورات الحالية تستوجب الإحاطة بالكم الهائل من المعلومات ، وبذلك نصل إلى ان افضل من يدير المعلومات أو يمارسها سيصبح هو المطلوب لتولى القيادة او الريادة .
فاختصاصي المعلومات غالبا ما سيكون متمكنا في الحاسب الآلي فمن خلاله سيتصل بمختلف شبكات الاتصال الإلكترونية في كافة بقاع العالم للحصول على المعلومة وتجميعها ، وربما يصبح اختصاصي المعلومات عبارة عن أمين مكتبة مستقل أو كما يسمى الفارس الحر بحيث يعمل لحساب نفسه ، فهو المسئول عن تجديد معلوماته وفلك لمواكبة العصر، أو ربما سيصبح أمين المكتبة هو أمين معلومات محاط بأجهزة الحواسيب والاتصالات ، حتى يستطيع العمل في المكتبة مع النصوص الإلكترونية وشبكات المعلومات ودور النشر .
أمين المكتبة المدرسية
إن التحول السريع في أنماط التعليم وطرائقه ووسائله وتقنياته يفرض على أمين المكتبة المدرسية أن يطور ويغير من دوره التقليدي وليتعدى تأثيره إلى الفصول الدراسية بالتعاون مع أعضاء هيئة التدريس لمعرفة احتياجات الطلاب المعلوماتية .
وعند استخدام الإنترنت في المراحل التعليمية المختلفة يبرز الدور الريادي للمكتبيين والاختصاصيين بتوجيهاتهم وارشاداتهم لكل فئات المجتمع التعليمي وتعزيز المناهج الدراسية، وإعداد التقارير والبحوث والواجبات لكونهم أهل خبرة في توظيف هذه التقنية في دعم العملية التعليمية.
ومن الملاحظ أن اغلب الطلبة يفضلون استخدام الإنترنت لحداثة المعلومات التي تعرض من خلالها ، وبما ان الموضوعات التي يعمل عليها اختصاصيو المعلومات متعددة ومتباينة باختلاف رغبات المستفيدين ، وتنوع احتياجاتهم فإن مواصلة التعلم اليوم أصبحت ضرورة حتمية تفرضها تغيرات العصر والزخم الهائل في كم المعلومات والتي أغرقت الحياة العملية بمصطلحات لغوية كثيرة، واصبح مفهوم التعليم المستمر تعنى تطوير وتجديد معلومات الفرد في مجال تخصصه، لأن المعلومات هي حجر الزاوية والأساس للبقاء البشرى .
دور أمين المكتبة كمنظم للمعومات
وفي خضم هذه البيئة الجديدة التي نعرفها أصبحت المكتبات تتعايش معها، كما أصبح أمين المكتبة بمثابة منظم للمعلومات ومستشارا في استخدام التقنية الحديثة من اجل استقطاب المعلومات بأيسر الطرق، وبالإضافة إلى إتقان استخدام التقنيات الحديثة فإن اختصاصي المعلومات يجب ان يعرف مدى أهمية المعلومة للمستفيد وكيف سيستخدمها، وفي ظل تطورات العصر ودخول التقنية، أصبح لزاما أن يكون أمين المكتبة مؤهلا أكاديميا لتأدية مهامه الجديدة، وهذا التأهيل اختلف هو الآخر مع مرور الزمن، مع انتشار تقنيات المعلومات وظهور الشبكة العنكبوتية وفي ظل غزارة المعلومات، وعجز الأوعية عن حصرها، كما تطلب الأمر وجود أفراد ذوي مهارات وكفايات خاصة مؤهلين على مستوى تقني عال حتى يتمكنوا من التعامل مع هذا الفيض الهائل من المعلومات.
ومن المهارات والكفايات التي لابد من توافرها في اختصاصي مكتبة المستقبل ما يلي:
1- مهارات أكاديمية دراسية ليكون ملما بكل ابعاد تخصص المكتبات والمعلومات .
2- مهارات لغوية متعددة حتى يستطيع التعامل مع مختلف أوعية المعلومات متعددة اللغات.
3- مهارات فنية خاصة بالعمليات الفنية من فهرسة وتصنيف وغيرهما.
4-مهارات تقنية وفيها يكون ملما باستخدام كافة أنواع التقنية وتوظيفها في أعمال المكتبة.
5-المهارات الإبداعية والابتكارية حتى يستطيع ان يقدم مقترحات مستقبلية بناءة.
6-امتلاك معرفة عميقة بمصادر المعلومات ومجالاتها وأشكالها .
7- مهارات إدارية لتطوير وإدارة الخدمات بصورة سهلة وميسرة.
8- مهارات تقييم الاحتياجات المعلوماتية وتصميم خدمات لسد تلك الاحتياجات.
9-مهارات استخدام تقنيات المعلومات المناسبة والتحسين المستمر لخدمات المعلومات.
المهنة في العصر الرقمي
هناك من يذهب إلى ضرورة نشر وتعميم مسميات وظيفية جديدة للعاملين في مجال المكتبات الإلكترونية والرقمية ولعل حجتهم في ذلك ترجع إلى أن الفصل القائم في المكتبات التقليدية بين مصادر المعلومات النصية والصوتية والمصورة، وكذلك الفصل بين المكتبة والأرشيف ومركز التوثيق، والتي تجمع في تناغم وتناسق هذه المؤسسات في مكان واحد، وكل ذلك من شانه أن يحدث تقاربا لا باس به بين المكتبيين والأرشيفين والوثائقيين .
وبناء عليه فينبغي ان يتم تبني ذلك في إطار مهني جديد ، حيث إن المتخصص في المكتبات الرقمية سيكون كذلك متخصصا في علوم المعلومات إلى جانب إلمامه الكامل بكل الطرق الخاصة بالحفظ والبحث في المصادر الرقمية، بناء على السمات الشخصية للمستفيدين .
ومع تغير مهام ووظائف أمين المكتبة من أداء الوظائف التقليدية إلى مهام استشاري معلومات، ومدير معلومات، وموجه أبحاث، ووسيط معلومات للقيام بعمليات معالجة المعلومات وتفسيرها وترجمتها وتحليلها، وإتقان مهارات الاتصال للإجابة عن أسئلة المستفيدين، وكذلك الارتباط ببنوك وشبكات المعلومات وممارسة تدريب المستفيدين على استخدام النظم والشبكات المتطورة، وتسهيل مهمات الباحثين، فيرى بعض الخبراء والباحثين ان المكتبة الرقمية ستزيد الطلب على اختصاصي المعلومات من أصحاب الخبرة والمعرفة الواسعة للقيام بالمهام المطورة، باعتبار ان النظرة الحديثة للمستقبل تنتقل من تطوير المكتبات الرقمية إلى تطوير المكتبيين الرقميين لأنه حان الوقت للاهتمام اكثر بالعنصر البشري مثلما الحال بالنسبة للتكنولوجيا، إذ أن مركز الثقل اليوم بالنسبة للمكتبات الرقمية هو المكتبي الذي يعني بالمستفيدين والقراء، وهذه يجب ان تكون سياسة الدول والمؤسسات العلمية المختلفة، فالإنفاق الكبير على تطوير التكنولوجيا لا يواكبه للأسف إنفاق مماثل على تطوير قدرات الموارد البشرية على استخدامها ومجاراة تطورها، فالتحدي الكبير الذي يواجه المكتبيين اليوم ليس صرف الجهد والوقت للوصول إلى المعلومات بواسطة التقنيات المبتكرة بل في إعداد المستفيدين على تحصيلها بأنفسهم، واستخدامها، بما يتناسب مع حاجاتهم المعلوماتية والارتقاء بمستواهم المعرفي.
مهام المكتبي الرقمي
نظرا للمتطلبات التي تمليها ظروف العمل في بيئة المكتبات الرقمية؛ فينبغي أن ينطوي التوصيف الوظيفي للمكتبي الرقمي النموذجي على مجموعة من المعارف والمهارات على النحو التالي:
1-البناء المعرفي المركب: يعنى ذلك ان معارف المكتبي الرقمي لا يجب ان تقتصر على تخصص موضوعي وحيد، وإنما يجب أن تمتد لتغطي مجالات متنوعة مثل: علم المكتبات، وعلوم الحاسب والاتصالات.
2-المستوى المعلوماتي المتقدم: أي امتلاك المكتبي الرقمي قدرات ومهارات معلوماتية عالية مثل التجاوب السريع مع مصادر المعلومات الخارجية، والتميز في الوصول إلى المعلومات المفيدة، وامتلاك الوعي الكافي لتقديم خدمات المعلومات بفاعلية، وادراك قيمة المعلومات، والقدرة على تنقية المعلومات وتقييمها وتحديد أهميتها، ومهارات الحصول على المعلومات بأساليب قانونية وشرعية، والقدرة على معالجة المعلومات وتنظيمها وإدارتها، وبث المعلومات للمستفيد وفق المتطلبات والظروف.
3-القدرات والتميز الشخصي: بمعنى اتجاه الشخصية نحو الإبداع والابتكار، وامتلاك روح الفريق، وامتلاك درجة عالية من المرونة، وامتلاك القدرة على التخيل والتوقع.
4-توفير الوصول إلى الإنترنت: فيمكن أن توفر المكتبة اتصالا بالإنترنت للذين لم تقتفي ظروفهم استخدام الخدمة وعلى الاختصاصي الرقمي أن تكون لديه الخبرة الكافية في ذلك.
5-استكشاف المعلومات: إن معظم المعلومات المتاحة عبر الإنترنت غير منظمة وتحتاج إلى كفاءة ومهارة لتنظيمها واسترجاعها ، ومن ثم توفيرها للمستفيدين لمساعدتهم في الوصول إلى المطلوب.
6-التعليم والتثقيف: يجب أن يعد اختصاصيو المعلومات برنامجا تدريبيا للمعلمين لشرح تقنيات الاستخدام وإكسابهم مهارات استرجاع المعلومات عن طريق إقامة الدورات وإعداد أدلة إرشادية.
7-النشر: يجب أن يقوم الاختصاصي بتصميم مواقع الإنترنت لنشر المعلومات التي تعدها المكتبة أو التي يعدها المستفيدون، وإضافة خدمات جديدة مثل نشر الكتب والقصص والمقالات وإجراء المسابقات والبحوث.
8- دور الوسيط: القيام بالعمليات التي تحتاج الى مساعدة مثل البحوث المتقدمة أو استحداث برامج معينة.
9-تقييم المعلومات: كان الناشرون يقومون بتقييم المعلومات التي ينشرونها وفق معايير معينة، أما شبكة الإنترنت فهي مفتوحة لكل من يريد أن ينشر أي معلومة دون تقييمها والتأكد من صحتها، وهنا يبرز دور اختصاصي المعلومات في مساعدة المستفيدين لتقييم المعلومات المنشورة وفق المعايير الموضوعة .
10- تنظيم المعلومات: يمكن إن يقوم اختصاصي المعلومات بالعمليات الفنية كفهرسة وتكشيف كافة أوعية المعلومات التي تقتنيها المكتبة، أو التي تتوفر عبر الإنترنت كفهرسة إجزاء من الكتب الإلكترونية أو المقالات.
11-تقديم المشورة: أي يستشير اختصاصي المعلومات الجهات المسئولة عن إعداد الخطط والسياسات حول العديد من القضايا التي تخص خدمات المعلومات والإنترنت وبالتالي يقدم المعلومات والمشورة للمستفيدين.
12- تحديد أماكن المعلومات المطلوبة لمختلف الفئات في المجتمع عن طريق استخدام جميع وسائل الاتصالات الإلكترونية أو الاستعانة بمجموعة الأخبارNews Groups وقوائم البريد Mailing.
13-العمل كخبير واستشاري معلومات في إعداد وتجهيز البحوث ودراسات الجدوى التي يحتاجها المجتمع.
14-تطوير المهارات الإدارية والإبداعية اللازمة لتقديم خدمات المعلومات في البيئة الرقمية من خلال التعليم والتدريب المستمر، ومن هذه المهارات ابتكار استراتيجيات البحث الجديدة، وتقييم مواقع الويب، وتوجيه المستفيدين وتدريبهم ، وتحقيق التكامل بين مصادر المعلومات المتشابكة ، وتحليل المعلومات وتفسيرها وإعداد واصفات البيانات "الميتاداتا"، ورقمنة المعلومات، وتصميم واجهات التعامل والبوابات الإلكترونية، وإدارة المشروعات الرقمية.
مقتبس : أ. أحمد يوسف حافظ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها