لقد تنامي وتزايد استخدام مفهوم الأمن الإنساني سواء على مستوى الأمم المتحد بلجنتها للأمن الإنساني Human Security Commission أو عالميًا عن طريق شبكة الأمن الإنساني Human Security Network التي تحتوي على 13 دولة بقيادة كندا - النرويج واليابان ، أو أكاديميًا بالنظر لتنامي عدد المراكز المتخصصة في دراسات الأمن الإنساني عبر الجامعات العالمية. كما أدرج المفهوم بكثرة في دائرة الحوارات النظرية النقدية.
لقد أصبح مفهوم الأمن الإنساني إطارًا موسعًا للأمن الوطني (أمن الدولة + أمن المجتمع + أمن الإنسان) إذ أصبح هذا الأخير يحتوي بالإضافة لحماية الحدود والوحدة الترابية وسيادة الدولة ومصالحها الوطنية والحيوية على أبعاد وظيفية أخرى مرتبطة: بحماية حقوق الإنسان وحرياتهم وترقيتهم بشكل يمكن ضمان كينونتهم وكرامتهم ومستقبل الأجيال القادمة.
ولقد أ صبح هذا المفهوم موسعًا بتهديدات أكثر أخلاقية - إنسانية - حياتية إلى أنه أصبح من واجب صانعي السياسات الأمنية الموازنة التكاملية بين أمن الدولة وأمن الإنسان .. وذلك على الرغم من صعوبة التحقيق العملي لمثل هذا التصور لميوعة المفهوم وضبابية الحدود بين ما هو دولتي وما هو إنساني.
* الأمن الإنساني: مقاربة اصطلاحية:
التعريف الحدي للأمن الإنساني هو أمن الإنسان من الخوف (من القهر والعنف والتهميش) والحاجة (الحرمان ... وعدم التمكين الاجتماعي)، أي محاولة خلق ديناميكية تدمج الإنسان في الأولويات التنموية والسياسية بدل من التركيز على استقرار النظام السياسي وبيئته.
فعلى الرغم من الإجماع الواسع على هذا التعريف الإجرائي إلا أنه مع ذلك توجد تعاريف كثيرة ضعيفة التوافق الوظيفي. فلجنة الأمن الإنساني قد عرفته على أنه "حماية أساسيات البقاء بطريقة ترقي من حقوق وحريات الإنسان" .
وذهب كل من Sadako Ogata و Johan Cels إلى أعمق من ذلك بتعريفهم للظاهرة كأنها مجموعة عمليات حماية الحريات الأساسية - الضرورية لبقاء الإنسان والتنمية، أي حماية الإنسان من التهديدات الخطيرة والمستديمة سواء أكانت طبيعية أم مجتمعية مع تمكين الأفراد والمجتمع من إمكانية تطوير قدراتهم لتحقيق خيراتهم بذاتهم (المبادرة الذاتية والمستقلة) بشكل يتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
أما التقرير الثاني لبرنامج الأمم المتحدة لسنة 1994 فقد عرف الأمن الإنساني كمنظور جديد للتنمية.
والأمن متمحور حول الإنسان وحاجاته وكذلك حماية الإنسان من المخاطر المستعصية chronic threats مثل المجاعة و المرض والقهر السياسي و"احتمالات الانقطاع المفاجئ والضار لحاجات الإنسان اليومية ..."
من هنا تم تحديد أبعاد للأمن الإنسان حسب فلسفة الحاجات الإنسانية.
- الأمن الاقتصادي أي ضمان الحد الأدنى من المدخول لكل فرد.
- الأمن الغذائي أي ضمان الحد الأدنى من الغذاء لكل فرد.
- الأمن الصحي أي ضمان الحد الأدنى من الحماية والرعاية الصحية من الأمراض والوقاية منها.
- الأمن البيئي والتي يقصد بها حماية الإنسان من الكوارث الطبيعية والحفاظ على البيئة من استدمار الإنسان.
- الأمن الفردي والذي يعني حماية الإنسان من العنف المادي من طرف الدولة، الدول، الفواعل عبر الدولية ...الخ.
- الأمن المجتمعي الذي يقوم على ضمان الاستمرار في العلاقات الاجتماعية التقليدية والقيم من العنف العرقي والطائفي.
- الأمن السياسي الذي يضمن للبشر العيش في كنف مجتمع تضمن وترقي حقوق الإنسان.
ولقد مكن هذا المنظور الأممي من تطوير مجموعة من المبادرات مثل المبادرات اليابانية والكندية والنرويجية الهادفة لتحقيق الأمن والسلم العالميين بالتنمية وتمكين البشر من حقوقهم .
الأمن الإنساني ومفارقات العولمة:
تعد العولمة مجموعة من الحركات التأسيسية المتشابكة والمرتبطة بتعريفات ومحتويات متوافقة وطبيعية للقيم والمعايير التي يحددها التوزيع الدولي للقوة وتحددها القيم الممثلة للغرب الحضاري الذي تدافع عنه الولايات المتحدة والغرب الأوربي الذي بعمل منذ عقود على هيكلة وبناء عالم قائم تصوراته المنمطة لحقوق الإنسان والديمقراطية واقتصاد السوق.
كما يريد أن يجعل العالم متفاعلًا أكثر بفتح الحدود وإلغاء الحدود الجمركية باسم حرية انتقال السلع والمال والخدمات (حسب منطق منظمة التجارة العالمية) وتماشيًا مع فكرة الاعتماد المتبادل الذي تحدث عنه Keohane & Nye (منذ أكثر من 30 سنة) والذي أنتج صراعات بنيوية (بالمعنى الذي قدمه Krasner).
فالعولمة بهذا المنظور يحاذي (ولا يساوي) الأمركة بمعنى خلق الأرضية القيمية - المعيارية والمادية المساعدة على تحقيق منطق الهيمنة الأمريكية على العالم (بالمعنى الذي قدمه Robert Cox).
فالعولمة وإن كانت قيميًا تقدم على أنها تهدف لتحقيق السلم العالمي وحقوق الإنسان فإنها فعليًا غير ذلك كما يظهر في المفارقات الدلالية Illustrative Paradoxes التالية:-
- على الرغم من الإعلان على ميلاد جديد لحقوق الإنسان العالمية بعد مؤتمر فيينا 1993، إلا أن البشاعة الإجرامية ضد حقوق الإنسان والحياة قد تزايدت عن طريق التصفية العرقية (فلسطين، البوسنة والهرسك، رواندا، بوروندي، الكونغو... والنيجر الذي طرد أكثر من 150 ألف ساكن ذو أصول عربية إلى التشاد سنة 2007).
- تزايد التعديات السافرة ضد حقوق الإنسان باسم "التدخل الديمقراطي" في هايتي والعراق (...).
- تزايد المعاناة الإنسانية بسبب الانفرادية الأمريكية في العراق، كوسوفو، أفغانستان، الصومال ...الخ.
- تزايد الجرائم ضد الإنسانية بفعل الأزمات الداخلية في البحيرات الكبرى، السودان ليبريا، سيراليون، باكستان ...الخ.
- أدت العولمة الاقتصادية غير المتكافئة إلى توسيع الهوة التنموية بين الشمال والجنوب مما زاد من رقعة الفقر (أكثر من 2.8 مليار ساكن يعيشون بأقل من 02 دولا في اليوم)
- انتشار الأمراض والأوبئة مثل SARS أنفلونزا الطيور، AIDS السل، المالاريا... وعودة أمراض الفقراء مثل الطاعون وغيره.
- انتشار الأمراض المتنقلة بالماء أكثر من 1.2 مليار ساكن ليس لهم الحق الدائم في استهلاك ماء صحي ونظيف.
- تنامي ظاهرة الإرهاب وما تسببه من دمار وفقدان للحياة انتشار الكوارث البيئية والكوارث الطبيعية والصناعية.
- تصاعد ظاهرة الهجرة السرية أو هجرة الموت وما تؤديه إلى فقدان الأرواح في البحار وعلى الحدود.
فبالنظر لغياب العدالة التوزيعية عالميًا وتنامي التهديدات اللاتماثلية فانه من الصعب الحديث في عالم لا زالت فيه الغلبة للقوة Might is always Right الحديث عن أمننة بالمنطق الإنساني ... فنحن في عالم المكانة الأولى فيه للقوة وبعدها بمسافة بعيدة يأتي الإنسان ... ولكن بفرص حياتية غير متساوية.
مقتبس : أمحند برقوق
لقد أصبح مفهوم الأمن الإنساني إطارًا موسعًا للأمن الوطني (أمن الدولة + أمن المجتمع + أمن الإنسان) إذ أصبح هذا الأخير يحتوي بالإضافة لحماية الحدود والوحدة الترابية وسيادة الدولة ومصالحها الوطنية والحيوية على أبعاد وظيفية أخرى مرتبطة: بحماية حقوق الإنسان وحرياتهم وترقيتهم بشكل يمكن ضمان كينونتهم وكرامتهم ومستقبل الأجيال القادمة.
ولقد أ صبح هذا المفهوم موسعًا بتهديدات أكثر أخلاقية - إنسانية - حياتية إلى أنه أصبح من واجب صانعي السياسات الأمنية الموازنة التكاملية بين أمن الدولة وأمن الإنسان .. وذلك على الرغم من صعوبة التحقيق العملي لمثل هذا التصور لميوعة المفهوم وضبابية الحدود بين ما هو دولتي وما هو إنساني.
* الأمن الإنساني: مقاربة اصطلاحية:
التعريف الحدي للأمن الإنساني هو أمن الإنسان من الخوف (من القهر والعنف والتهميش) والحاجة (الحرمان ... وعدم التمكين الاجتماعي)، أي محاولة خلق ديناميكية تدمج الإنسان في الأولويات التنموية والسياسية بدل من التركيز على استقرار النظام السياسي وبيئته.
فعلى الرغم من الإجماع الواسع على هذا التعريف الإجرائي إلا أنه مع ذلك توجد تعاريف كثيرة ضعيفة التوافق الوظيفي. فلجنة الأمن الإنساني قد عرفته على أنه "حماية أساسيات البقاء بطريقة ترقي من حقوق وحريات الإنسان" .
وذهب كل من Sadako Ogata و Johan Cels إلى أعمق من ذلك بتعريفهم للظاهرة كأنها مجموعة عمليات حماية الحريات الأساسية - الضرورية لبقاء الإنسان والتنمية، أي حماية الإنسان من التهديدات الخطيرة والمستديمة سواء أكانت طبيعية أم مجتمعية مع تمكين الأفراد والمجتمع من إمكانية تطوير قدراتهم لتحقيق خيراتهم بذاتهم (المبادرة الذاتية والمستقلة) بشكل يتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
أما التقرير الثاني لبرنامج الأمم المتحدة لسنة 1994 فقد عرف الأمن الإنساني كمنظور جديد للتنمية.
والأمن متمحور حول الإنسان وحاجاته وكذلك حماية الإنسان من المخاطر المستعصية chronic threats مثل المجاعة و المرض والقهر السياسي و"احتمالات الانقطاع المفاجئ والضار لحاجات الإنسان اليومية ..."
من هنا تم تحديد أبعاد للأمن الإنسان حسب فلسفة الحاجات الإنسانية.
- الأمن الاقتصادي أي ضمان الحد الأدنى من المدخول لكل فرد.
- الأمن الغذائي أي ضمان الحد الأدنى من الغذاء لكل فرد.
- الأمن الصحي أي ضمان الحد الأدنى من الحماية والرعاية الصحية من الأمراض والوقاية منها.
- الأمن البيئي والتي يقصد بها حماية الإنسان من الكوارث الطبيعية والحفاظ على البيئة من استدمار الإنسان.
- الأمن الفردي والذي يعني حماية الإنسان من العنف المادي من طرف الدولة، الدول، الفواعل عبر الدولية ...الخ.
- الأمن المجتمعي الذي يقوم على ضمان الاستمرار في العلاقات الاجتماعية التقليدية والقيم من العنف العرقي والطائفي.
- الأمن السياسي الذي يضمن للبشر العيش في كنف مجتمع تضمن وترقي حقوق الإنسان.
ولقد مكن هذا المنظور الأممي من تطوير مجموعة من المبادرات مثل المبادرات اليابانية والكندية والنرويجية الهادفة لتحقيق الأمن والسلم العالميين بالتنمية وتمكين البشر من حقوقهم .
الأمن الإنساني ومفارقات العولمة:
تعد العولمة مجموعة من الحركات التأسيسية المتشابكة والمرتبطة بتعريفات ومحتويات متوافقة وطبيعية للقيم والمعايير التي يحددها التوزيع الدولي للقوة وتحددها القيم الممثلة للغرب الحضاري الذي تدافع عنه الولايات المتحدة والغرب الأوربي الذي بعمل منذ عقود على هيكلة وبناء عالم قائم تصوراته المنمطة لحقوق الإنسان والديمقراطية واقتصاد السوق.
كما يريد أن يجعل العالم متفاعلًا أكثر بفتح الحدود وإلغاء الحدود الجمركية باسم حرية انتقال السلع والمال والخدمات (حسب منطق منظمة التجارة العالمية) وتماشيًا مع فكرة الاعتماد المتبادل الذي تحدث عنه Keohane & Nye (منذ أكثر من 30 سنة) والذي أنتج صراعات بنيوية (بالمعنى الذي قدمه Krasner).
فالعولمة بهذا المنظور يحاذي (ولا يساوي) الأمركة بمعنى خلق الأرضية القيمية - المعيارية والمادية المساعدة على تحقيق منطق الهيمنة الأمريكية على العالم (بالمعنى الذي قدمه Robert Cox).
فالعولمة وإن كانت قيميًا تقدم على أنها تهدف لتحقيق السلم العالمي وحقوق الإنسان فإنها فعليًا غير ذلك كما يظهر في المفارقات الدلالية Illustrative Paradoxes التالية:-
- على الرغم من الإعلان على ميلاد جديد لحقوق الإنسان العالمية بعد مؤتمر فيينا 1993، إلا أن البشاعة الإجرامية ضد حقوق الإنسان والحياة قد تزايدت عن طريق التصفية العرقية (فلسطين، البوسنة والهرسك، رواندا، بوروندي، الكونغو... والنيجر الذي طرد أكثر من 150 ألف ساكن ذو أصول عربية إلى التشاد سنة 2007).
- تزايد التعديات السافرة ضد حقوق الإنسان باسم "التدخل الديمقراطي" في هايتي والعراق (...).
- تزايد المعاناة الإنسانية بسبب الانفرادية الأمريكية في العراق، كوسوفو، أفغانستان، الصومال ...الخ.
- تزايد الجرائم ضد الإنسانية بفعل الأزمات الداخلية في البحيرات الكبرى، السودان ليبريا، سيراليون، باكستان ...الخ.
- أدت العولمة الاقتصادية غير المتكافئة إلى توسيع الهوة التنموية بين الشمال والجنوب مما زاد من رقعة الفقر (أكثر من 2.8 مليار ساكن يعيشون بأقل من 02 دولا في اليوم)
- انتشار الأمراض والأوبئة مثل SARS أنفلونزا الطيور، AIDS السل، المالاريا... وعودة أمراض الفقراء مثل الطاعون وغيره.
- انتشار الأمراض المتنقلة بالماء أكثر من 1.2 مليار ساكن ليس لهم الحق الدائم في استهلاك ماء صحي ونظيف.
- تنامي ظاهرة الإرهاب وما تسببه من دمار وفقدان للحياة انتشار الكوارث البيئية والكوارث الطبيعية والصناعية.
- تصاعد ظاهرة الهجرة السرية أو هجرة الموت وما تؤديه إلى فقدان الأرواح في البحار وعلى الحدود.
فبالنظر لغياب العدالة التوزيعية عالميًا وتنامي التهديدات اللاتماثلية فانه من الصعب الحديث في عالم لا زالت فيه الغلبة للقوة Might is always Right الحديث عن أمننة بالمنطق الإنساني ... فنحن في عالم المكانة الأولى فيه للقوة وبعدها بمسافة بعيدة يأتي الإنسان ... ولكن بفرص حياتية غير متساوية.
مقتبس : أمحند برقوق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها