قضية النهوض بواقع المرأة المتخلف من القضايا الإنسانية والاجتماعية التي أولتها الدول والمنظمات كل الاهتمام لما لها من صلة وثيقة بمختلف قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لأن المرأة هي الجيل الجديد وهي الأسرة، وإذا شكلت نصف المجتمع في جميع الدول فإن أهميتها في الدول النامية تزداد كثيراً لحاجة هذه الأخيرة إلى الجهد والمثابرة من كل فرد من أفراد المجتمع بكل طاقاته، بغية الإسراع في التطور والوصول إلى ما وصلت له الدول المتقدمة في مجال الرقي بمختلف مجالات الحياة.
وإذا كانت الدول تهدف إلى تنشئة جيل سليم بفكره وعقله وجسده فلابد من أن تفتح أبواب العمل إلى المرأة، وفعلاً اقتحمت المرأة هذه الأبواب ودخلت سوق العمل وأثبتت الكفاءة والقدرة في كل ما يناط بها، وشاهدنا الوزيرة والبرلمانية والقاضية والطبيبة والممرضة وعاملة الكومبيوتر، وبالرغم من كل هذا إلا أن النظرة المتخلفة للمرأة لا تزال متجذرة في عقول الكثيرين ممن يملكون القرار في الكثير من الدول.
مشاكل المرأة العاملة
إن المرأة العاملة مهما كان عملها فإنها تواجه عدة مشكلات ناجمة عن عدم التوفيق بين الواجبات في العمل التي يطلق عليها بالمشاكل المهنية وواجباتها تجاه الأسرة التي تسمى بالمشاكل العائلية .
المشاكل العائلية : إن المشاكل العائلية من أهم المشاكل التي تواجهها المرأة العاملة وعليه فإن تساؤلاً مفاده كيف يمكن للمرأة العاملة أن تقوم بواجباتها الأسرية دون أن يؤثر ذلك على عملها، أو بمعنى آخر كيف يمكنها أن تقوم بعملها على أكمل وجه دون تقصير منها في واجباتها المنزلية.
وهذا التساؤل يتعلق بالمرأة العاملة المتزوجة وغير المتزوجة، وإن كان بالنسبة للأولى يثير صعوبات أكثر، فالمرأة غير المتزوجة تتأثر بآراء الوالدين والأخوة الكبار، ويمكنها أن تجد من يتعاون معها ويشجعها على العمل، كما أنها لا تترك فراغاً كبيراً في العائلة، أما العاملة المتزوجة فإن تأثير الزوج في عملها يبقى محورياً في ظروفها الأسرية، فمتى ما كان الزوج متعاوناً ومتفهماً لظروف زوجته وواجباتها في العمل تذللت معظم المشاكل وزالت الصعوبات وخفت معها المسؤوليات.
أما إذا كان الزوج غير متقبل لعمل زوجته لعدم رغبته في غيابها عن البيت لساعات طويلة، فإن ذلك سيخلق مشاكل في منتهى الصعوبة لا يمكن التغلب عليها أو تجاوزها إلا بموافقة الزوج، لأن عدم موافقته قد يتطور إلى تهديد لاستقرار الحياة الزوجية والأسرية قد تنتهي بها إذا ما تطورت الأمور ولم تعالج في بداياتها معالجة عقلانية إلى الطلاق الذي يقود المرأة إلى مشاكل وتداعيات متعددة تؤثر في كفاءتها وتدفعها للاستسلام لتلك الضغوط لكي لا تفقد عائلتها أو يتشرد أطفالها، وهذه الممارسات من العائلة أو من الزوج تزداد في المجتمعات التي تفتقر إلى التعليم.
ولكن موافقة الزوج المتفهم تجعل الاثنين يفكران في معالجة المشاكل الأخرى، وتأتي في مقدمتها رعاية الأولاد التي تتحدد في ضوء عددهم وأعمارهم واحتياجاتهم، وهذا يضع المرأة أمام مسؤولياتها المتقدمة في الأسرة، فهي التي تتحمل المسؤولية الأولى وأن أي تقصير منها في الرعاية قد يولد لديها إحساساً بالتقصير الدائم وتنامي عقدة الذنب لديها، وقد يدفعها هذا لترك العمل، لأن الأزواج عموماً لا يساعدون زوجاتهم في أداء الأعمال المنزلية بسبب العادات والتقاليد القديمة التي تعتبر الأعمال المنزلية حصراً للمرأة، وكذلك تربية الأطفال ومتابعتهم التي تأخذ من وقت المرأة وجهدها الكثير، فهي تفكر بهم وتقلق عليهم وهي في العمل، وأن غيابها عنهم لساعات طويلة يعرضهم إلى سوء الأحوال الاجتماعية والصحية.
ولهذا فإن النجاح الحقيقي للمرأة العاملة المتزوجة هو في مدى توفيقها بين عملها وبيتها وهذا هو أساس السعادة في المنزل .
وذهب البعض للقول بأن الأم العاملة تقسو على أولادها وهي أكثر قسوة من الرجل، لأن مشاكل العمل ومعاناته وأعباء المنزل، إضافة إلى هموم الأطفال الذين ينتظرون عودة الأم من العمل للتحدث إليها عن مشاكلهم وطلباتهم، وفي بعض الأحيان يفقدها هذا صوابها فتقسو عليهم.
ولكن الحقيقة التي لا يمكننا تجاهلها هو أن الأم العاملة تستطيع أن تؤمن لأولادها ولعائلتها دخلاً أكبر فيما لو كانت لا تعمل، وهذا يساعد دون شك على رفع مستوى معيشتهم ويحقق رفاهية أكبر للأطفال.
فالوقت الذي تمضيه الأم في العمل يحتاجه الأولاد دون شك ولكنه وقتاً مثمراً يحقق عطاء للعائلة، فما قيمة أن تكون الأم إلى جانب أولادها وهم في حاجة وعوز، وهذا ما يطلق عليه بالوجود الصامت غير المثمر أما الوجود المثمر الذي يقدم كل ما يحتاجه الأولاد فإنه يؤدي إلى زيادة علاقة الحب والحنان بين الأم وأولادها، لأن الأم تحاول أن تعوضهم عن الفترة التي أمضتها بعيداً عنهم وعندما تلتقي معهم تظهر عاطفتها الإنسانية الفياضة حساً إنسانياً هذا من جانب ومن جانب آخر فإن الأولاد يشعرون الأم بأنهم يعتمدون على أنفسهم وأن لديهم طموح كبير لتعويضها عما تقدمه لهم، يضاف لما تقدم أن الأم التي تعمل تمتلك الكثير من الخبرات والمعارف التي اكتسبتها في محيط العمل وتنقلها لأولادها وهذا ينعكس على تربيتها لهم.
المشاكل المهنية : إن اهتمام المرأة بالواجبات المنزلية يجعلها تهمل جانباً من واجباتها في العمل، ولهذا تتعرض علاقاتها هناك إلى النقد والتوجيه، مما يجعلها تفكر في ترك العمل أو تحضر وهي ليست راضية عنه، وهذا يؤدي إلى انخفاض مستوى عطائها وإنتاجها.
أن العلاقة المهنية والاجتماعية الجيدة بين المرأة في العمل والمسؤولين الإداريين يحقق المستوى المطلوب من الناحية الإنتاجية، وفي ضوء ذلك فإن على الإداريين المسؤولين تحقيق العلاقات الإنسانية المنسجمة والمتفهمة لواقع المرأة من جانب والعمل من جانب آخر، وعندها سيجدون المرأة الملتزمة بعملها، واحترامها للقوانين والتعليمات التي تعتمدها الجهات التي تعمل لديها.
إن حب العاملة لعملها وإتقانها له واطمئنانها من أجواء العمل والمحيطين بها وتشجيعهم لها ومكافأتها على حرصها في العمل وإسهامها في زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته يذلل الكثير من المصاعب ويحقق لها إشباعاً نفسياً واجتماعياً واقتصادياً، فالراحة النفسية والشعور بالأمن الاقتصادي يسهمان في ارتقاء علاقات العاملة الإنسانية ويجعلان لها كياناً مستقلاً ورأياً خاصاً وقدرة على تحقيق الذات دون حاجة إلى تبعيتها للرجل.
العوامل المؤثرة على مشاكل المرأة العاملة
هناك عوامل متعددة تؤثر كثيراً على ما تواجهه المرأة العاملة في مختلف جوانب الحياة سلباً أو إيجاباً، إلا أن حدود هذا التأثير تبقى مرهونة بمدى تفاعل كل عامل من هذه العوامل مع العوامل الأخرى .
المطلب الأول: العوامل الاجتماعية والثقافية
أن العوامل الاجتماعية تشمل مجموع القيم التي تسود المجتمع وتؤثر في تحديد العلاقة بين أبنائه بصورة عامة وبينه وبين المرأة بصورة خاصة، والتي تحدد على ضوئها مكانة المرأة الاجتماعية، وأنها تتأثر بطبيعة علاقات الإنتاج السائدة ومدى التطور الثقافي والاقتصادي للدولة، والذي يحدده النظام الاجتماعي والسياسي والأيديولوجية التي تقود هذا النظام.
أن الواقع المتخلف للمجتمع في القرون المتأخرة كان تأثيره كبيراً في دور المرأة السلبي، حيث اقتصرت مساهمتها في أغلب الأحوال على أداء الوظائف المنزلية فقط، وإن كان ذلك لا يشمل بنفس الدرجة المرأة الريفية، لأن أعمالها اليومية تتعدى العمل المنزلي، لتمتد وتشمل جميع أنواع العمل الحقلي، ولهذا فإنها معروفة بجديتها في عملها وعانت كثيراً من العمل الدؤوب الشاق في الحقل والبيت مع عناء وضيق في العيش فهي تقوم بالأعمال المنزلية المرهقة، تحمل الحيوانات وتنزل الأحمال وتذهب مع القطعان لحلب المواشي، وتجمع الأغصان والحطب للطبخ والتدفئة، وتجلب الماء، إضافة لذلك تربية الأطفال، ومع كل هذا نراها قوية الجسم فأحياناً تحمل طفلها على ظهرها وتؤدي أعمالها.
كما أن العمل في مفهومها واجب مقدس وراحة نفسية لها، ولهذا فإن قابليتها على العمل متقدمة حيث تنجز أعمالها بأحسن أسلوب، أنها تعمل بهدوء وصبر واستقرار نفسي، في حين أن المرأة الغربية تعمل بأعصاب هائجة يصاحبها توتر نفسي شديد، ولهذا فإنها أي المرأة الغربية تتعرض للتعب بسرعة، وتتعرض لمختلف الأمراض النفسية والعصبية وأمراض القلب والشرايين. وبالرغم من هذا الدور الهام الذي لعبته المرأة العراقية إلا أنها عانت كثيراً من الفقر والجهل والأمية في ضل عهد الإقطاع، وكابدت العناء من تبعيتها للرجل وسلطانه على أحوالها الشخصية من زواجها قسراً أو بيعها أو استبدالها أو الزواج عليها أو خطفها.
وأن للعوامل الثقافية والحضارية تأثيراً كبيراً على دور المرأة وارتباطها بدرجة التأثير بمستوى العلاقات الاجتماعية والتطور الاقتصادي والعلاقات السائدة في الإنتاج.
إن ازدياد التقدم الفني واتساع الإنتاج أدى إلى المزيد من القوى العاملة، وما نتج عن الحروب الكبرى من التهام لملايين الرجال، أوجب الحاجة إلى استخدام العنصر النسوي في العمليات الإنتاجية، مما جعلها في وضع أثبتت قدرتها وشخصيتها واستقلالها .
فالمرأة العاملة تستيقض في الصباح الباكر لكي تهيئ ما تتطلبه العائلة وتذهب لتؤدي عملها، وعند عودتها تنتظرها مهام كثيرة تقوم بها.
إنها مهام صعبة للغاية، ومع هذا تجاوزتها وحققت فيها وجوداً فاعلاً ومؤثراً، فهي الأب والأم والمعلم والحارس، وهذا يعطينا صورة واضحة عن مدى تفاعل المرأة مع ظروف مجتمعها سلباً أو إيجاباً، وأخذاً وعطاء.
وبعد كل هذا أليس من حقها أن تقطف ثمار معاناتها وأن تحصل على حقوقها كاملة، التي كفلتها لها التشريعات الدولية وتضمنها الدستور العراقي والتشريعات الوطنية النافذة في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فليس هناك حقاً يتقدم على حق آخر، إنها مترابطة، فالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لا تتقدم على حقوق المرأة السياسية، إنها حقوقاً مترابطة متى ما تهيأت الظروف للحصول عليها جميعاً، ويجب تجاوز الحدث عن عدم المساواة أو التمييز أو مراعاة المرأة العاملة والعطف عليها وكأنها كائن ضعيف يتطلب العطف والمساعدة والنظر إليها على أن المجتمع لا يستقيم بدونها وعندها تستطيع أن تتجاوز كل الحواجز وكل المعوقات وأن تأخذ حصتها في الحياة أسوة بأخيها الرجل .
أن المرأة بحد ذاتها قيمة اجتماعية جديدة أضيفت للمجتمع المتخلف الذي تنكر لها، فهي لم تعد وصمة العار والشرف الذي لابد من إخفائه وسجنه إذ أصبحت قادرة على الخروج من البيت إلى مكان الدراسة ثم إلى مكان العمل والاختلاط ضمنه، أنها تنتج وتعيل نفسها وسواها.
المطلب الثاني: العوامل السياسية والاقتصادية
إن مشاركة المرأة في الحياة السياسية من أهم عناصر الديمقراطية وهي تعكس إلى حد كبير طبيعة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة، وأن التزام مؤوسسات الدولة بالمنهج الديمقراطي القائم على مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة يحقق انصافاً للمرأة.
ولكننا نجد جملة من العوامل تقف حائلاً دون أن تأخذ المرأة المشاركة المطلوبة في العملية السياسية من أبرزها العادات والتقاليد الموروثة التي مازالت سائبة، وتلعب دوراً سلبياً في مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
وأن تطبيقات التشريعات الصادرة المتعلقة بالمرأة لا تأخذ مجالها في التطبيق على أكمل وجه. كما أن ضعف مشاركة المرأة السياسية في التنظيمات النسائية ومنظمات المجتمع المدني جعلها ضعيفة في الوعي السياسي والقانوني، وثمة حقيقة لا يمكن إنكارها هو أن الأحزاب على اختلافها تستغل أصوات النساء التي تشكل نصف الأصوات، دون أن تمنحها ما تستحقه من مشاركة فاعلة.
وخصص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادتين الأولى والثانية منه للتأكيد على أهم حقين من الحقوق الإنسانية وهما الحق في الحرية والحق في المساواة والأخوة بين البشر، فجاء في المادة الأولى أن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الحقوق والكرامة والعقل والضمير، لذا يجب أن يتعاونوا مع بعضهم البعض بأخوة وتعاون، وتضمنت المادة الثانية أن على كل شخص أن يتمتع بكل الحقوق والحريات الواردة في الإعلان دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو اللون أو الأصل أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر، ويتضح من النصين شمول في عدم التمييز بين البشر بأي لون من ألوان التمييز، ولو طبق هذا وحده لكان كفيلاً بتحقيق السعادة والأمن والاستقرار بين جميع البشر.
أن الحياة التي تعيشها المرأة العاملة بين عملها وبيتها جعلها تتحمل جميع مسؤوليات المنزل والزوج والأطفال ولا تتذمر ولا تشكو، وتحاول تأدية عملها على أفضل وجه، كما أنها اقتصادية في مطالبها لأنها بحكم عملها تعرف قيمة النقود جيداً وكيف تحصل عليها.
وذهب البعض للقول بأن المرأة العاملة رغم متاعبها ومعاناتها فهي أفضل من المرأة الجالسة في البيت، لأن زوج العاملة يشعر بأن زوجته يمكن الاعتماد عليها، وأنها تتحمل مسؤولية كبيرة فهي تساهم في تذليل المصاعب الاقتصادية إلى جانب الزوج إضافة إلى مهامها المنزلية.
ولابد من التأكيد على أن الذين يطالبون بحرية عمل المرأة وحقها في أن تأخذ دورها جنباً إلى جنب مع الرجل لا يريدون أن تكون رجلاً، لأن العمل ليس حكراً بالرجال، فالطب والهندسة والنجارة والحدادة والخياطة أعمالاً يتخصص فيها الرجل كما تتخصص فيها المرأة، وإذا كان تخصص الرجال ببعض الأعمال لصعوبتها وإرهاقها للمرأة في سنين سابقة فإن التطور التكنولوجي سهل العمل ولم يعد هناك عملاً مرهقاً، فالمرحلة الحالية والمستقبلية في إطار الثورة التكنولوجية وضعتنا في عصر المعلومة، عصر الآلة التي حلت محل الإنسان، وأن المرأة المتدربة على الآلة بشكل جيد هي أكفأ من الرجل الذي هو أقل مهارة منها والعكس صحيح.
بتصرف : اعداد : سعد جبار حسن
أنظر أيضا : لغة الجسد
وإذا كانت الدول تهدف إلى تنشئة جيل سليم بفكره وعقله وجسده فلابد من أن تفتح أبواب العمل إلى المرأة، وفعلاً اقتحمت المرأة هذه الأبواب ودخلت سوق العمل وأثبتت الكفاءة والقدرة في كل ما يناط بها، وشاهدنا الوزيرة والبرلمانية والقاضية والطبيبة والممرضة وعاملة الكومبيوتر، وبالرغم من كل هذا إلا أن النظرة المتخلفة للمرأة لا تزال متجذرة في عقول الكثيرين ممن يملكون القرار في الكثير من الدول.
مشاكل المرأة العاملة
إن المرأة العاملة مهما كان عملها فإنها تواجه عدة مشكلات ناجمة عن عدم التوفيق بين الواجبات في العمل التي يطلق عليها بالمشاكل المهنية وواجباتها تجاه الأسرة التي تسمى بالمشاكل العائلية .
المشاكل العائلية : إن المشاكل العائلية من أهم المشاكل التي تواجهها المرأة العاملة وعليه فإن تساؤلاً مفاده كيف يمكن للمرأة العاملة أن تقوم بواجباتها الأسرية دون أن يؤثر ذلك على عملها، أو بمعنى آخر كيف يمكنها أن تقوم بعملها على أكمل وجه دون تقصير منها في واجباتها المنزلية.
وهذا التساؤل يتعلق بالمرأة العاملة المتزوجة وغير المتزوجة، وإن كان بالنسبة للأولى يثير صعوبات أكثر، فالمرأة غير المتزوجة تتأثر بآراء الوالدين والأخوة الكبار، ويمكنها أن تجد من يتعاون معها ويشجعها على العمل، كما أنها لا تترك فراغاً كبيراً في العائلة، أما العاملة المتزوجة فإن تأثير الزوج في عملها يبقى محورياً في ظروفها الأسرية، فمتى ما كان الزوج متعاوناً ومتفهماً لظروف زوجته وواجباتها في العمل تذللت معظم المشاكل وزالت الصعوبات وخفت معها المسؤوليات.
أما إذا كان الزوج غير متقبل لعمل زوجته لعدم رغبته في غيابها عن البيت لساعات طويلة، فإن ذلك سيخلق مشاكل في منتهى الصعوبة لا يمكن التغلب عليها أو تجاوزها إلا بموافقة الزوج، لأن عدم موافقته قد يتطور إلى تهديد لاستقرار الحياة الزوجية والأسرية قد تنتهي بها إذا ما تطورت الأمور ولم تعالج في بداياتها معالجة عقلانية إلى الطلاق الذي يقود المرأة إلى مشاكل وتداعيات متعددة تؤثر في كفاءتها وتدفعها للاستسلام لتلك الضغوط لكي لا تفقد عائلتها أو يتشرد أطفالها، وهذه الممارسات من العائلة أو من الزوج تزداد في المجتمعات التي تفتقر إلى التعليم.
ولكن موافقة الزوج المتفهم تجعل الاثنين يفكران في معالجة المشاكل الأخرى، وتأتي في مقدمتها رعاية الأولاد التي تتحدد في ضوء عددهم وأعمارهم واحتياجاتهم، وهذا يضع المرأة أمام مسؤولياتها المتقدمة في الأسرة، فهي التي تتحمل المسؤولية الأولى وأن أي تقصير منها في الرعاية قد يولد لديها إحساساً بالتقصير الدائم وتنامي عقدة الذنب لديها، وقد يدفعها هذا لترك العمل، لأن الأزواج عموماً لا يساعدون زوجاتهم في أداء الأعمال المنزلية بسبب العادات والتقاليد القديمة التي تعتبر الأعمال المنزلية حصراً للمرأة، وكذلك تربية الأطفال ومتابعتهم التي تأخذ من وقت المرأة وجهدها الكثير، فهي تفكر بهم وتقلق عليهم وهي في العمل، وأن غيابها عنهم لساعات طويلة يعرضهم إلى سوء الأحوال الاجتماعية والصحية.
ولهذا فإن النجاح الحقيقي للمرأة العاملة المتزوجة هو في مدى توفيقها بين عملها وبيتها وهذا هو أساس السعادة في المنزل .
وذهب البعض للقول بأن الأم العاملة تقسو على أولادها وهي أكثر قسوة من الرجل، لأن مشاكل العمل ومعاناته وأعباء المنزل، إضافة إلى هموم الأطفال الذين ينتظرون عودة الأم من العمل للتحدث إليها عن مشاكلهم وطلباتهم، وفي بعض الأحيان يفقدها هذا صوابها فتقسو عليهم.
ولكن الحقيقة التي لا يمكننا تجاهلها هو أن الأم العاملة تستطيع أن تؤمن لأولادها ولعائلتها دخلاً أكبر فيما لو كانت لا تعمل، وهذا يساعد دون شك على رفع مستوى معيشتهم ويحقق رفاهية أكبر للأطفال.
فالوقت الذي تمضيه الأم في العمل يحتاجه الأولاد دون شك ولكنه وقتاً مثمراً يحقق عطاء للعائلة، فما قيمة أن تكون الأم إلى جانب أولادها وهم في حاجة وعوز، وهذا ما يطلق عليه بالوجود الصامت غير المثمر أما الوجود المثمر الذي يقدم كل ما يحتاجه الأولاد فإنه يؤدي إلى زيادة علاقة الحب والحنان بين الأم وأولادها، لأن الأم تحاول أن تعوضهم عن الفترة التي أمضتها بعيداً عنهم وعندما تلتقي معهم تظهر عاطفتها الإنسانية الفياضة حساً إنسانياً هذا من جانب ومن جانب آخر فإن الأولاد يشعرون الأم بأنهم يعتمدون على أنفسهم وأن لديهم طموح كبير لتعويضها عما تقدمه لهم، يضاف لما تقدم أن الأم التي تعمل تمتلك الكثير من الخبرات والمعارف التي اكتسبتها في محيط العمل وتنقلها لأولادها وهذا ينعكس على تربيتها لهم.
المشاكل المهنية : إن اهتمام المرأة بالواجبات المنزلية يجعلها تهمل جانباً من واجباتها في العمل، ولهذا تتعرض علاقاتها هناك إلى النقد والتوجيه، مما يجعلها تفكر في ترك العمل أو تحضر وهي ليست راضية عنه، وهذا يؤدي إلى انخفاض مستوى عطائها وإنتاجها.
أن العلاقة المهنية والاجتماعية الجيدة بين المرأة في العمل والمسؤولين الإداريين يحقق المستوى المطلوب من الناحية الإنتاجية، وفي ضوء ذلك فإن على الإداريين المسؤولين تحقيق العلاقات الإنسانية المنسجمة والمتفهمة لواقع المرأة من جانب والعمل من جانب آخر، وعندها سيجدون المرأة الملتزمة بعملها، واحترامها للقوانين والتعليمات التي تعتمدها الجهات التي تعمل لديها.
إن حب العاملة لعملها وإتقانها له واطمئنانها من أجواء العمل والمحيطين بها وتشجيعهم لها ومكافأتها على حرصها في العمل وإسهامها في زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته يذلل الكثير من المصاعب ويحقق لها إشباعاً نفسياً واجتماعياً واقتصادياً، فالراحة النفسية والشعور بالأمن الاقتصادي يسهمان في ارتقاء علاقات العاملة الإنسانية ويجعلان لها كياناً مستقلاً ورأياً خاصاً وقدرة على تحقيق الذات دون حاجة إلى تبعيتها للرجل.
العوامل المؤثرة على مشاكل المرأة العاملة
هناك عوامل متعددة تؤثر كثيراً على ما تواجهه المرأة العاملة في مختلف جوانب الحياة سلباً أو إيجاباً، إلا أن حدود هذا التأثير تبقى مرهونة بمدى تفاعل كل عامل من هذه العوامل مع العوامل الأخرى .
المطلب الأول: العوامل الاجتماعية والثقافية
أن العوامل الاجتماعية تشمل مجموع القيم التي تسود المجتمع وتؤثر في تحديد العلاقة بين أبنائه بصورة عامة وبينه وبين المرأة بصورة خاصة، والتي تحدد على ضوئها مكانة المرأة الاجتماعية، وأنها تتأثر بطبيعة علاقات الإنتاج السائدة ومدى التطور الثقافي والاقتصادي للدولة، والذي يحدده النظام الاجتماعي والسياسي والأيديولوجية التي تقود هذا النظام.
أن الواقع المتخلف للمجتمع في القرون المتأخرة كان تأثيره كبيراً في دور المرأة السلبي، حيث اقتصرت مساهمتها في أغلب الأحوال على أداء الوظائف المنزلية فقط، وإن كان ذلك لا يشمل بنفس الدرجة المرأة الريفية، لأن أعمالها اليومية تتعدى العمل المنزلي، لتمتد وتشمل جميع أنواع العمل الحقلي، ولهذا فإنها معروفة بجديتها في عملها وعانت كثيراً من العمل الدؤوب الشاق في الحقل والبيت مع عناء وضيق في العيش فهي تقوم بالأعمال المنزلية المرهقة، تحمل الحيوانات وتنزل الأحمال وتذهب مع القطعان لحلب المواشي، وتجمع الأغصان والحطب للطبخ والتدفئة، وتجلب الماء، إضافة لذلك تربية الأطفال، ومع كل هذا نراها قوية الجسم فأحياناً تحمل طفلها على ظهرها وتؤدي أعمالها.
كما أن العمل في مفهومها واجب مقدس وراحة نفسية لها، ولهذا فإن قابليتها على العمل متقدمة حيث تنجز أعمالها بأحسن أسلوب، أنها تعمل بهدوء وصبر واستقرار نفسي، في حين أن المرأة الغربية تعمل بأعصاب هائجة يصاحبها توتر نفسي شديد، ولهذا فإنها أي المرأة الغربية تتعرض للتعب بسرعة، وتتعرض لمختلف الأمراض النفسية والعصبية وأمراض القلب والشرايين. وبالرغم من هذا الدور الهام الذي لعبته المرأة العراقية إلا أنها عانت كثيراً من الفقر والجهل والأمية في ضل عهد الإقطاع، وكابدت العناء من تبعيتها للرجل وسلطانه على أحوالها الشخصية من زواجها قسراً أو بيعها أو استبدالها أو الزواج عليها أو خطفها.
وأن للعوامل الثقافية والحضارية تأثيراً كبيراً على دور المرأة وارتباطها بدرجة التأثير بمستوى العلاقات الاجتماعية والتطور الاقتصادي والعلاقات السائدة في الإنتاج.
إن ازدياد التقدم الفني واتساع الإنتاج أدى إلى المزيد من القوى العاملة، وما نتج عن الحروب الكبرى من التهام لملايين الرجال، أوجب الحاجة إلى استخدام العنصر النسوي في العمليات الإنتاجية، مما جعلها في وضع أثبتت قدرتها وشخصيتها واستقلالها .
فالمرأة العاملة تستيقض في الصباح الباكر لكي تهيئ ما تتطلبه العائلة وتذهب لتؤدي عملها، وعند عودتها تنتظرها مهام كثيرة تقوم بها.
إنها مهام صعبة للغاية، ومع هذا تجاوزتها وحققت فيها وجوداً فاعلاً ومؤثراً، فهي الأب والأم والمعلم والحارس، وهذا يعطينا صورة واضحة عن مدى تفاعل المرأة مع ظروف مجتمعها سلباً أو إيجاباً، وأخذاً وعطاء.
وبعد كل هذا أليس من حقها أن تقطف ثمار معاناتها وأن تحصل على حقوقها كاملة، التي كفلتها لها التشريعات الدولية وتضمنها الدستور العراقي والتشريعات الوطنية النافذة في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فليس هناك حقاً يتقدم على حق آخر، إنها مترابطة، فالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لا تتقدم على حقوق المرأة السياسية، إنها حقوقاً مترابطة متى ما تهيأت الظروف للحصول عليها جميعاً، ويجب تجاوز الحدث عن عدم المساواة أو التمييز أو مراعاة المرأة العاملة والعطف عليها وكأنها كائن ضعيف يتطلب العطف والمساعدة والنظر إليها على أن المجتمع لا يستقيم بدونها وعندها تستطيع أن تتجاوز كل الحواجز وكل المعوقات وأن تأخذ حصتها في الحياة أسوة بأخيها الرجل .
أن المرأة بحد ذاتها قيمة اجتماعية جديدة أضيفت للمجتمع المتخلف الذي تنكر لها، فهي لم تعد وصمة العار والشرف الذي لابد من إخفائه وسجنه إذ أصبحت قادرة على الخروج من البيت إلى مكان الدراسة ثم إلى مكان العمل والاختلاط ضمنه، أنها تنتج وتعيل نفسها وسواها.
المطلب الثاني: العوامل السياسية والاقتصادية
إن مشاركة المرأة في الحياة السياسية من أهم عناصر الديمقراطية وهي تعكس إلى حد كبير طبيعة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة، وأن التزام مؤوسسات الدولة بالمنهج الديمقراطي القائم على مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة يحقق انصافاً للمرأة.
ولكننا نجد جملة من العوامل تقف حائلاً دون أن تأخذ المرأة المشاركة المطلوبة في العملية السياسية من أبرزها العادات والتقاليد الموروثة التي مازالت سائبة، وتلعب دوراً سلبياً في مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
وأن تطبيقات التشريعات الصادرة المتعلقة بالمرأة لا تأخذ مجالها في التطبيق على أكمل وجه. كما أن ضعف مشاركة المرأة السياسية في التنظيمات النسائية ومنظمات المجتمع المدني جعلها ضعيفة في الوعي السياسي والقانوني، وثمة حقيقة لا يمكن إنكارها هو أن الأحزاب على اختلافها تستغل أصوات النساء التي تشكل نصف الأصوات، دون أن تمنحها ما تستحقه من مشاركة فاعلة.
وخصص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادتين الأولى والثانية منه للتأكيد على أهم حقين من الحقوق الإنسانية وهما الحق في الحرية والحق في المساواة والأخوة بين البشر، فجاء في المادة الأولى أن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الحقوق والكرامة والعقل والضمير، لذا يجب أن يتعاونوا مع بعضهم البعض بأخوة وتعاون، وتضمنت المادة الثانية أن على كل شخص أن يتمتع بكل الحقوق والحريات الواردة في الإعلان دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو اللون أو الأصل أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر، ويتضح من النصين شمول في عدم التمييز بين البشر بأي لون من ألوان التمييز، ولو طبق هذا وحده لكان كفيلاً بتحقيق السعادة والأمن والاستقرار بين جميع البشر.
أن الحياة التي تعيشها المرأة العاملة بين عملها وبيتها جعلها تتحمل جميع مسؤوليات المنزل والزوج والأطفال ولا تتذمر ولا تشكو، وتحاول تأدية عملها على أفضل وجه، كما أنها اقتصادية في مطالبها لأنها بحكم عملها تعرف قيمة النقود جيداً وكيف تحصل عليها.
وذهب البعض للقول بأن المرأة العاملة رغم متاعبها ومعاناتها فهي أفضل من المرأة الجالسة في البيت، لأن زوج العاملة يشعر بأن زوجته يمكن الاعتماد عليها، وأنها تتحمل مسؤولية كبيرة فهي تساهم في تذليل المصاعب الاقتصادية إلى جانب الزوج إضافة إلى مهامها المنزلية.
ولابد من التأكيد على أن الذين يطالبون بحرية عمل المرأة وحقها في أن تأخذ دورها جنباً إلى جنب مع الرجل لا يريدون أن تكون رجلاً، لأن العمل ليس حكراً بالرجال، فالطب والهندسة والنجارة والحدادة والخياطة أعمالاً يتخصص فيها الرجل كما تتخصص فيها المرأة، وإذا كان تخصص الرجال ببعض الأعمال لصعوبتها وإرهاقها للمرأة في سنين سابقة فإن التطور التكنولوجي سهل العمل ولم يعد هناك عملاً مرهقاً، فالمرحلة الحالية والمستقبلية في إطار الثورة التكنولوجية وضعتنا في عصر المعلومة، عصر الآلة التي حلت محل الإنسان، وأن المرأة المتدربة على الآلة بشكل جيد هي أكفأ من الرجل الذي هو أقل مهارة منها والعكس صحيح.
بتصرف : اعداد : سعد جبار حسن
أنظر أيضا : لغة الجسد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها