منذ السبعينات ، أصبح اليابان في المركز الثاني عالميا اقتصاديا خلف الولايات المتحدة الأمريكية .حيث استيقظ اليابان من الدمار الرهيب الذي أتى بـه أثناء الحرب العالمية الثانية، وهذا بفضل فحوى النـتائج الأخلاقـية والاجـتماعية المتمثلة في الانضباط الذاتي والروح الوطنية التي يتميز بها العامل الياباني وتطبيق الجودة الشاملة، وتجسيد الثورة التكنولوجية على مستوى جميع الميادين ، وبذلك أصبح اليابان قـوة عظمـى من ضمن ثمانية الدول الكبرى في العالم. وهذا يؤدي بنا الى طرح التساؤلات التالية :
كيف وصل اليابان الى هذه المكانة ؟
ما هي العوامل التي استعملها للوصول الى درجـة المستوى العالمي ؟
وما هي أسرار هذه العظمـة ؟
مـنذ بدايـة الثمانينات حتى الآن تـزايد اليقين بأن التجربـة اليابانيـة حققت نـتائج كبيرة في الأسـواق الدولية الأساسـية مما سمح بالحديث عن التـفوق الياباني. وعند معرفة ظروف اليابان بعد دمار الحرب الرهيب وخصائص اليابان من حـيث السكان والمساحة الجـغرافية والموارد الطبيعية، وما حققـته خلال ثلاثة عقود بعد الحرب فإننا نكون اكـثر قبولا للحديث عما يشـبه المعجزة في اليابان.
فاليابان جزيرة مكتظة بالسكان ذات مساحة اصغر من مساحة كالفورنيا وتستورد من استهلاكها (100 %) من الالمنيوم ،و(98 %) من النفط، و(98،4 %) من الحديد (66.4 %) من الخشب(1)
كما أنها كانت في حالة دمار شامل بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية لتتمكن في خلال 3 عقود فقط من تكوين قوة صناعية والمسجلة لأعلى المعدلات الإنتاجية في العالم.
ولكي ندرك أبعاد هذا التفوق نشير الى أن اليابان تقف الآن على قمة المنافسة على مستوى العالم…و الكثير يتحدث اليوم عن قصة الهجوم الياباني على الأسواق العالمية ليصبح التعلم من اليابانيين في حد ذاته صناعة تنمو بشكل مطرد وواضح.
ويجب التأكد على أن هذا التـفوق الياباني في الأسواق الاقـتصادية الدولية تزامن مع تـفوق أخر في النـتائج الأخلاقـية والاجـتماعية بالمقارنـة مع نظيراتـها في الدول المتقـدمة الأخرى.
ولعل أهم درس قدمـته اليابان لعالمنا المعاصر هو تعدد النماذج في التطور الاقتصادي فلم يعد النموذج الغربي والأمريكي بشكل خـاص هو النموذج المنـتصر في الحرب والمتفوق في الاقتصاد، بل هناك جانب النظام التمـييز الذي يوافق ما بين التقاليد اليابانية والمفاهيم الغربية الحديثة، وبالتالي في كل العناصر الناعمة ومن ضمنها الأخلاقيات.
ولعل درس اليابان هذا لم يـثر الاهتمام بالتفوق المادي الياباني بقدر ما أثار الاهتمام بالتفوق في العوامل المعنويـة. وهذه العـوامل بالـتأكيد يمكن الاسـتفادة منها وإظهار قدر الإمكان عوامل نجاح المؤسسات اليابانية ،و محاولة استخلاص أهم النقاط الإيجابية التي يمكن أن تكون عاملا إيجابيا يساهم في تكييف المؤسسات العامة الوطنية الجزائرية في عهدها الجـديد على أثر التغـيرات التي فرضتـها الظروف الاقتصادية الحالية.
أسـرار تقـدم اليـابـان
الكثير قد تحدث عن اليابان وكتب عن أسرار تقدمها وقد وجدنا أن أغلبها يتفق حول المحاور التالية نلخصها فيما يلي:
1) أن الإنسان الياباني تمكن من نقل ما لدى الغرب من علوم مختلفة ونجح في تقليدها وتطبيقها بل من ثم أبدع في تطويرها إلى الأحسن.
2) -أن الياباني تعتبر الراحة والنوم شيء معيب, لذلك تجده في غاية الجد والنشاط وقت عمله، وتجد أن إجازته السنوية شبه معدومة, بالإضافة إلى عدم وجود سن للتقاعد بالنسبة له.
3) -أن الياباني يجيد الادخار فهو شعب يدخر من 20 % إلى
40 % من دخله .
4) -أن اليابان يتقن ما يصنع ويقوم به, فيده ماهرة إلى أبعد الحدود
5) - أن الياباني لديه شـعور بالرقابة الذاتية فلا يحـتال أو يتـخاذل لأجل توفيـر بعض المادة أو الوقت.
6) -العمل الجماعي وعدم الظهور أو التسلق على الآخرين .
لقد أشار ياماشيما « HAJIMI YAMACHIMA)) من جامعة كيوتو وهو أحد أشهر الأخصائيين اليابانيين في الإدارة والتسيير-Management)) عنـدما سئل عن سر نجاح التجربة أو المعجزة اليابانية فأجاب : أن الاعتقاد السائد هو ان اليابانيين يعملون أكثر ولكنهم في الحقيقة يعملون أفضل، أنهم كغيرهم يعملون 43 ساعة في الأسبوع أي 2000 ساعة في العام بينما يعمل الكوريون 3000 ساعة في العام اي بزيادة الثلث، ليست هناك معجزات وخوارق، ان العامل في اليابان يتفوق في تأهيله الثقافي والمهني على زميله في أوربا الغربية والويلات المتحدة للأمريكية، إن الجامعة والمدرسة هما قوتنا الضاربة وأما الذخيرة فهي الانضباط الذاتي. فلا حاجة لتعيين جيش من المراقبين والمفتشين يقضي نصفهم أوقاتهم في حراسة النصف الآخر .
من أسرار النجاح للدول المتحضرة والمتقدمة، راجع الى التزامهم بسلوك الانضباط الذاتي، هذا سواء كان على مستوى الفرد، والجماعـة، والمؤسسة، والمجتمع بأكمله.
ويكمن سر نجاح اليابان في عدة عوامل :
ـ طبيعة الفرد الياباني ، تقديس العلم والعمل.
ـ التخطيط: تخطـيط الدولة بمـعية المؤسسات الاقتصـادية الكبرى كل سـياسة في خدمة القوة الصناعية،
ـ التوجيه والمساعدات : تقدم الدولة توجيهات ومساعدات للاستثمار داخل وخارج البلاد،
ـ الإشهار : إنتاج النوعية الجديدة وترويجها للسيطرة على الأسواق .
ـ قوة الاستثمارات في الخارج : إقامة مصانع في كل أرجاء العالم وتجنب الحواجز الجمركية.
فلسفة التحدي اليابانية:
إن سـر تـفـوق نجاح الـيابـانـيين يكـمن في فلسـفـة التـحدي ..فلسفة الإصـرار والصبـر والمثـابرة ..شعب ذات فلسفة حضارية عميقة الجذور، ساعدت المجتمع الياباني على تشكيـل وصـنـع الإنسان الـيابـاني ليتحكم في ذاتـه من أجل بلاده، وهي فلسفة إنسانية قائمة على :
1) ـ التوارث من مـيراث حـضاري عميق مـمتد آلاف السنيـن يصنع منه سياج أخلاقي من القـيم والمبادئ والمثل العليا التي تـدفع إلى الـولاء والانتمـاء والإخـلاص الكامل والوفـاء العظيـم والطاعـة المطلقـة والمشاركـة المخلصة والتفـاني في أداء الواجب.
2) ـ تحـويل الـدين والعـقائـد لديها إلى سلوك مقدس قائم على ضمير قوي مـرتبط بوجود الإنسـان ذاتــه وبروحـه التي لن تـعرف الـراحـة والهدوء أو السلام إلا إذا تطهرت من الشرور الخمس (الجشع ،والطمع، والتـسلط، والحسد والشهوانـية) أي تطـهر الـنفس من هـذه الـخبائـث وجـعلت هذا السلوك المستقيم طـريـقا لخـدمة الوطـن والأمـة.
3) ـ التمسك المرن بالـتقاليد والعادات القائمة على التواصل والارتباط القاعدي المتماسك بالأصـول العضويـة كالأسـرة والعشيرة والجيران والحي، ومجتمع العمل والرفاق والزملاء وبعلاقات يملؤها الحب والفخر والتوارث التاريخي..
4) ـ تطلع دائم نحو المجهول المستقبلي باعتباره صديق، فالغــد والمستقبـل والزمن والوقت أهم أدوات صناعة الذات، وصنـاعة الذات هي فـن استثمـار الإطارات البشرية.. استـثمار الإنـسان والارتقـاء بـه..و تـفـعلـه..وتطويـره .
5) ـ الجمع والـمزج بين زعامـة القائـد الرمز، وبين الفصـائل المطيعـة ما بيــن المدير والعاملين معــه كشركاء، وليس كأجراء أو عبيـد، ما بيـن جيل متقدم في السن لديه الحكمة والخبرة وما بـين أجيـال لـديها الأمـل والتـطلع والقـدرة والـدافع على صنع غد أفـضل.
6) ـ المحافظة على التوازن الاجتماعي وترقية الحراك الاجتماعي ، يجعل العمل هو المصدر الرئيسي لتحقيق الثروة والمكانة في المجتمع، وأن العمل المشروع هو السبيل الوحيد للعمل وأن ما عداه لا يشكل عملا بل هو أمر خارج عن كل شيء يستوجب التطهير والتغيير.
7) ـ أهميـة الوقت : فالوقت هـو أغلى الأصـول على الإطـلاق، وهـو أصل لا يمكن الاستغنـاء عنـه يحتاج إلي إدارة علميـة واعيـة رشيـدة مدركـة لأهميـة التقـدم.
مقتبس : د. تقية محمد المهدي حسان
اقرأ ايضا :
ادارة الصف وبيئة التعلم
كيف وصل اليابان الى هذه المكانة ؟
ما هي العوامل التي استعملها للوصول الى درجـة المستوى العالمي ؟
وما هي أسرار هذه العظمـة ؟
فاليابان جزيرة مكتظة بالسكان ذات مساحة اصغر من مساحة كالفورنيا وتستورد من استهلاكها (100 %) من الالمنيوم ،و(98 %) من النفط، و(98،4 %) من الحديد (66.4 %) من الخشب(1)
كما أنها كانت في حالة دمار شامل بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية لتتمكن في خلال 3 عقود فقط من تكوين قوة صناعية والمسجلة لأعلى المعدلات الإنتاجية في العالم.
ولكي ندرك أبعاد هذا التفوق نشير الى أن اليابان تقف الآن على قمة المنافسة على مستوى العالم…و الكثير يتحدث اليوم عن قصة الهجوم الياباني على الأسواق العالمية ليصبح التعلم من اليابانيين في حد ذاته صناعة تنمو بشكل مطرد وواضح.
ويجب التأكد على أن هذا التـفوق الياباني في الأسواق الاقـتصادية الدولية تزامن مع تـفوق أخر في النـتائج الأخلاقـية والاجـتماعية بالمقارنـة مع نظيراتـها في الدول المتقـدمة الأخرى.
ولعل أهم درس قدمـته اليابان لعالمنا المعاصر هو تعدد النماذج في التطور الاقتصادي فلم يعد النموذج الغربي والأمريكي بشكل خـاص هو النموذج المنـتصر في الحرب والمتفوق في الاقتصاد، بل هناك جانب النظام التمـييز الذي يوافق ما بين التقاليد اليابانية والمفاهيم الغربية الحديثة، وبالتالي في كل العناصر الناعمة ومن ضمنها الأخلاقيات.
ولعل درس اليابان هذا لم يـثر الاهتمام بالتفوق المادي الياباني بقدر ما أثار الاهتمام بالتفوق في العوامل المعنويـة. وهذه العـوامل بالـتأكيد يمكن الاسـتفادة منها وإظهار قدر الإمكان عوامل نجاح المؤسسات اليابانية ،و محاولة استخلاص أهم النقاط الإيجابية التي يمكن أن تكون عاملا إيجابيا يساهم في تكييف المؤسسات العامة الوطنية الجزائرية في عهدها الجـديد على أثر التغـيرات التي فرضتـها الظروف الاقتصادية الحالية.
أسـرار تقـدم اليـابـان
الكثير قد تحدث عن اليابان وكتب عن أسرار تقدمها وقد وجدنا أن أغلبها يتفق حول المحاور التالية نلخصها فيما يلي:
1) أن الإنسان الياباني تمكن من نقل ما لدى الغرب من علوم مختلفة ونجح في تقليدها وتطبيقها بل من ثم أبدع في تطويرها إلى الأحسن.
2) -أن الياباني تعتبر الراحة والنوم شيء معيب, لذلك تجده في غاية الجد والنشاط وقت عمله، وتجد أن إجازته السنوية شبه معدومة, بالإضافة إلى عدم وجود سن للتقاعد بالنسبة له.
3) -أن الياباني يجيد الادخار فهو شعب يدخر من 20 % إلى
40 % من دخله .
4) -أن اليابان يتقن ما يصنع ويقوم به, فيده ماهرة إلى أبعد الحدود
5) - أن الياباني لديه شـعور بالرقابة الذاتية فلا يحـتال أو يتـخاذل لأجل توفيـر بعض المادة أو الوقت.
6) -العمل الجماعي وعدم الظهور أو التسلق على الآخرين .
لقد أشار ياماشيما « HAJIMI YAMACHIMA)) من جامعة كيوتو وهو أحد أشهر الأخصائيين اليابانيين في الإدارة والتسيير-Management)) عنـدما سئل عن سر نجاح التجربة أو المعجزة اليابانية فأجاب : أن الاعتقاد السائد هو ان اليابانيين يعملون أكثر ولكنهم في الحقيقة يعملون أفضل، أنهم كغيرهم يعملون 43 ساعة في الأسبوع أي 2000 ساعة في العام بينما يعمل الكوريون 3000 ساعة في العام اي بزيادة الثلث، ليست هناك معجزات وخوارق، ان العامل في اليابان يتفوق في تأهيله الثقافي والمهني على زميله في أوربا الغربية والويلات المتحدة للأمريكية، إن الجامعة والمدرسة هما قوتنا الضاربة وأما الذخيرة فهي الانضباط الذاتي. فلا حاجة لتعيين جيش من المراقبين والمفتشين يقضي نصفهم أوقاتهم في حراسة النصف الآخر .
من أسرار النجاح للدول المتحضرة والمتقدمة، راجع الى التزامهم بسلوك الانضباط الذاتي، هذا سواء كان على مستوى الفرد، والجماعـة، والمؤسسة، والمجتمع بأكمله.
ويكمن سر نجاح اليابان في عدة عوامل :
ـ طبيعة الفرد الياباني ، تقديس العلم والعمل.
ـ التخطيط: تخطـيط الدولة بمـعية المؤسسات الاقتصـادية الكبرى كل سـياسة في خدمة القوة الصناعية،
ـ التوجيه والمساعدات : تقدم الدولة توجيهات ومساعدات للاستثمار داخل وخارج البلاد،
ـ الإشهار : إنتاج النوعية الجديدة وترويجها للسيطرة على الأسواق .
ـ قوة الاستثمارات في الخارج : إقامة مصانع في كل أرجاء العالم وتجنب الحواجز الجمركية.
فلسفة التحدي اليابانية:
إن سـر تـفـوق نجاح الـيابـانـيين يكـمن في فلسـفـة التـحدي ..فلسفة الإصـرار والصبـر والمثـابرة ..شعب ذات فلسفة حضارية عميقة الجذور، ساعدت المجتمع الياباني على تشكيـل وصـنـع الإنسان الـيابـاني ليتحكم في ذاتـه من أجل بلاده، وهي فلسفة إنسانية قائمة على :
1) ـ التوارث من مـيراث حـضاري عميق مـمتد آلاف السنيـن يصنع منه سياج أخلاقي من القـيم والمبادئ والمثل العليا التي تـدفع إلى الـولاء والانتمـاء والإخـلاص الكامل والوفـاء العظيـم والطاعـة المطلقـة والمشاركـة المخلصة والتفـاني في أداء الواجب.
2) ـ تحـويل الـدين والعـقائـد لديها إلى سلوك مقدس قائم على ضمير قوي مـرتبط بوجود الإنسـان ذاتــه وبروحـه التي لن تـعرف الـراحـة والهدوء أو السلام إلا إذا تطهرت من الشرور الخمس (الجشع ،والطمع، والتـسلط، والحسد والشهوانـية) أي تطـهر الـنفس من هـذه الـخبائـث وجـعلت هذا السلوك المستقيم طـريـقا لخـدمة الوطـن والأمـة.
3) ـ التمسك المرن بالـتقاليد والعادات القائمة على التواصل والارتباط القاعدي المتماسك بالأصـول العضويـة كالأسـرة والعشيرة والجيران والحي، ومجتمع العمل والرفاق والزملاء وبعلاقات يملؤها الحب والفخر والتوارث التاريخي..
4) ـ تطلع دائم نحو المجهول المستقبلي باعتباره صديق، فالغــد والمستقبـل والزمن والوقت أهم أدوات صناعة الذات، وصنـاعة الذات هي فـن استثمـار الإطارات البشرية.. استـثمار الإنـسان والارتقـاء بـه..و تـفـعلـه..وتطويـره .
5) ـ الجمع والـمزج بين زعامـة القائـد الرمز، وبين الفصـائل المطيعـة ما بيــن المدير والعاملين معــه كشركاء، وليس كأجراء أو عبيـد، ما بيـن جيل متقدم في السن لديه الحكمة والخبرة وما بـين أجيـال لـديها الأمـل والتـطلع والقـدرة والـدافع على صنع غد أفـضل.
6) ـ المحافظة على التوازن الاجتماعي وترقية الحراك الاجتماعي ، يجعل العمل هو المصدر الرئيسي لتحقيق الثروة والمكانة في المجتمع، وأن العمل المشروع هو السبيل الوحيد للعمل وأن ما عداه لا يشكل عملا بل هو أمر خارج عن كل شيء يستوجب التطهير والتغيير.
7) ـ أهميـة الوقت : فالوقت هـو أغلى الأصـول على الإطـلاق، وهـو أصل لا يمكن الاستغنـاء عنـه يحتاج إلي إدارة علميـة واعيـة رشيـدة مدركـة لأهميـة التقـدم.
مقتبس : د. تقية محمد المهدي حسان
اقرأ ايضا :
ادارة الصف وبيئة التعلم