سطحية التفكير في عصر المنصات الإعلامية ومساهمتها في تراجع قدرتنا على التحليل النقدي والبناء / سمر ضو
من المسلمات في عصر التكنولوجيا اليوم أن تصبح وسائل التواصل الاجتماعي اليوم جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث إنها أصبحت تلعب دورا مباشرا في نقل المعلومات وتبادل الأفكار والآراء والمواقف حيال ما يجري حولنا من أحداث، إلا أنه من المؤسف جدا أن تتحول هذه المنصات الاجتماعية لتصبح مصدرا موثوقا للفكر والعلم والمعرفة ونلجأ اليها اليوم على أنها قادرة على تزويدنا بالمعرفة كبديل عن الكتب التقليدية.
رغم ادراكنا جيدا لماهية وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على توفير كميات هائلة من المعلومات بسرعة وبطريقة سهلة وقد تكون محببة أحيانا إلا أنها تفتقر في كثير من الأحيان إلى العمق والتحليل الذي تتميز به الكتب ، فهذه المنشورات والمعلومات مختصرة ومنقوصة وموجهة لجذب الانتباه بسرعة مما يؤدي الى تبسيط مفرط للمفاهيم المعقدة ، هذا الاسلوب قد يكون وسيلة جيدة لنقل الاخبار العاجلة كعناوين رئيسية ولكنها لا تشتمل على الجوانب الحقيقة الكاملة لأي قصة اخبارية كما انها لا توفر تحليلا شاملا وعميقا لأي نوع من المواضيع المطروحة .
ومن الخطأ الحقيقي ان نعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للمعلومات والمعرفة بسبب عدم مصداقية ما يتم تداوله من معلومات حتى اننا خلال تصفحنا لهذه المنصات وخلال جولة سريعة نجد آراء متضاربة ومعلومات مختلفة كل شخص يقدمها بأسلوب مختلف حسب أهواءه وغاياته وأهدافه الشخصية، ومن المؤسف أيضا أن كل شخص قادر على نشر ما يريده وما يرغب به على صفحات هذه المنصات دون التحقق من صحة المعلومات ومصادرها حتى أن بعضها قد تكون معلومات طبية خطيرة، ما يسبب بانتشار المعلومات المضللة، فيما ان الكتب والمراجعات العلمية المنشورة تتميز بعملية تحرير ومراجعة دقيقة مما يضمن الحفاظ على مستوى عالي من الدقة والمصداقية في المحتوى المقدم.
فالكتب تعتبر مرجعا فريدا لتقديم المواضيع المختلفة وتطوير الفكر النقدي بطريقة عميقة، وقراءة الكتب تحتاج وقتا وجهدا لهذا نجد أنفسنا اليوم وللأسف نلجأ الى هذه المنصات لأنها أسهل وتقدم المعلومات بطريقة سطحية وبسيطة دون التعمق في المعلومات مما يؤثر على قوة تفكيرنا وعمق معرفتنا وتصبح معلوماتنا مقتصرة على القليل والبسيط بعيدا عن العمق والتحليل والتفكير النقدي.
وعلى الرغم من قدرة منصات وسائل التواصل الاجتماعي على اتاحة المجال السريع لتبادل الافكار لكنها لا توفر بيئة للحوار الفكري العميق كما ان انتشار هذه الظاهرة سيسهم على المدى الطويل بتآكل التراث الفكري والمعرفي الموثق والذي تناقلته الاجيال من جيل الى جيل .
كما نجد الاخبار نفسها هي المتداولة على كافة الصفحات مما يشير إلى اختيار المتابعين لمحتوى ومعين ومصادر محددة مما يؤثر بشكل سلبي على الوعي الفردي والجماعي والقدرة على التنوع من جهة والقدرة على التأثير على الرأي العام من جهة ثانية.
خلاصة القول تعرضنا المستمر للمحتوى القصير والمقتضب من الأفكار والمعلومات يقلل من قدرتنا على التفكير النقدي والتحليل من خلال تقييم الأدلة والحجج بشكل موضوعي واكتشاف حلول للتحديات القائمة في حياتنا، وبالتالي يؤدي الى سطحية التفكير والفهم وتراجع قدرتنا على فهم العالم من حولنا، كما نصبح معتادين على استهلاك المعلومات دون تحليلها بعمق، مما يثير التساؤلات حول المدى الخطير الذي ستسببه هذه المنصات على عقولنا في المستقبل.