جمع الأخصائيون في الصحة النفسية أن الحجر الصحي المفروض على أكثر من مليار شخص حول العالم بسبب جائحة فيروس كورونا، ليس أمرا سهلا ولا موضوعا يستهان به، إذ أنه إجراء استثنائي وغير مسبوق يقيد الحريات الفردية حتى في الدول الديمقراطية.
وهذا الوضع يتسبب بمشاكل نفسية للعديد من الأشخاص، خاصة بالنسبة للذين يفشلون في التعاطي بشكل إيجابي مع هذا الظرف.
فما هي الأثار النفسية للحجر المنزلي وكيف يمكن تجنبها؟
الانغلاق القسري بين جدران البيت لعدة أيام أو أسابيع نتيجة للحجر الصحي المفروض في عدة بلدان عبر العالم في خطوة لاحتواء تفشي فيروس كورونا، هو أمر غير اعتيادي بالنسبة لعامة الناس إلا في الظروف الاستثنائية، وهو ما يتسبب في الكثير من الحالات بآثار نفسية وخيمة، تقتضي المتابعة والعلاج لدى المختصين.
وبالنسبة إلى الأخصائيين النفسانيين، فإن "القلق والتوتر والانفعال" من أبرز "التأثيرات النفسية" التي تنتشر في مثل هذه الحالات.
ويعتبروا "إن الذين هم في وضعية نفسية هشة معرضون "أكثر من غيرهم للإصابة بهذه المشاكل النفسية".
ويؤكد مركز الدراسات البريطاني "معهد كينجز كوليدج" في دراسة نشرت بالمجلة الصحية "دو لنسي"، أن "الحجر الصحي عموما هو تجربة غير مرضية بالنسبة لمن يخضعون لها"، ويعتبر أن "العزل عن الأهل والأحباب، فقدان الحرية، الارتياب من تطورات المرض، والملل، كلها عوامل يمكنها أن تتسبب في حالات مأساوية".
ويعتبر العامل الاجتماعي مهم ويمكن أن يؤثر بقوة في نفسية الأشخاص الموجودين رهن الحجر الصحي، و أن الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم في مثل هذه الظروف قد يتعرضون لمشاكل نفسية. "فالصعوبات المادية الخطيرة يمكن أن تتسبب في مشاكل نفسية"
تدبير وقت الحجر الصحي؟
ولطريقة تدبير وقت الحجر الصحي في المنازل أهميتها في تجنب الوقوع في مشاكل نفسية أو أسرية. ويرى الأخصائي في العلاج النفسي أسامة لحلو أنه يمكن الاستفادة من وقت الحجر الصحي "بطريقة إيجابية، إذا تمكنا من استغلاله في أمور تعود علينا وعلى أسرنا بالنفع".
وليست هناك حلول سحرية لتجاوز الوقوع في مشاكل نفسية أو التصادم مع المحيط العائلي، كما يحاول أن يشرح لنا الأخصائي المغربي. فالأمر مرتبط باجتهاد الأولياء في إيجاد أنشطة يمكن أن تشغل جزءا مهما من الوقت "الطويل" خلال العزل الصحي، حيث من المفروض أن تكون لهم "رؤية استباقية" لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال الاستمرار في الحجر الصحي دون منهجية واقية من الوقوع في مخاطر نفسية واجتماعية.
ويؤكد لحلو أن التعرض بشكل مستمر للأخبار لا يساعد الصحة النفسية لدى الأشخاص الموجودين رهن الحجر الصحي. وينصح أن "يتم استماع ومشاهدة الأخبار في مناسبة واحدة خلال اليوم من وسائل إعلام رسمية، والابتعاد عن جميع الأخبار التي يكون مصدرها أفراد أو جهات غير معروفة".
وبدوره يلفت البروفيسور نييل غرينورغ إلى أن "الأخبار الزائفة ووسائل الإعلام يمكن أن تغذي القلق...".
ولقضاء وقت الحجر الصحي يوميا في أجواء "هادئة ونافعة"، يقترح الأخصائيون وضع جدول زمني محدد، يتضمن كل ما يجب القيام به خلال اليوم، مع تحديد ساعات دعم للأطفال في تلقي دروسهم وإنجاز تمارينهم. ويرى أن الحجر الصحي فرصة للاستفادة من الدفء العائلي بمشاركة الأسرة أنشطة ترفيهية، دون أن ينسى أهمية الرياضة للجميع في مثل هذه الأوقات.
وحذروا من الانغماس في أساليب عيش غير صحية أثناء الحجر الصحي، حيث يكتفي البعض بالأكل والنوم، وهذه الشريحة ستكون أكبر المتضررين أيضا أثناء انتهاء الحجر الصحي، لأنهم سيفقدون الإيقاع الاعتيادي للحياة اليومية، ويصعب عليهم التأقلم مجددا معها. كما يحذر الأطباء من الإدمان على الكحول خلال هذه الفترة.
ويشدد البروفيسور نييل غرينورغ على أنه يجب الاستفادة من فرصة الحجر "لتبني أسلوب حياة صحي". وقال: "لقد حان الوقت للنوم بشكل جيد وتناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة قدر الإمكان وتجنب العادات غير الصحية مثل الإفراط في شرب الكحول أو التدخين ".
دور السلطات في هذه المرحلة
للخروج من هذه المرحلة بأقل الأضرار النفسية، تؤكد الدراسة لمعهد كينجز كوليدج البريطاني على أهمية المعلومة في هذا الظرف، ويعتبرها "أساسية". "فالتواصل بانتظام عبر توفير الحقيقة بشأن الحجر الصحي وشرح ما يحدث، يجعل من السهل قضاء هذه الفترة" الصعبة والاستثنائية، حسب البروفيسور نييل غرينورغ.
وتفيد الدراسة أنه "ينبغي على مسؤولي الصحة العامة أن يشددوا على أن الحجر الصحي يساعد في الحفاظ على سلامة الآخرين، ولا سيما الأكثر ضعفا (مثل صغار وكبار السن أو أولئك الذين لهم سوابق صحية خطيرة)، وعلى السلطات أن تشعر بالامتنان الخالص" لمواطنيها، لأنهم انسجموا مع دعوتها للحجر من أجل الصحة العامة، وهذا يشجع الناس على البقاء في بيوتهم بنوع من الارتياح.