الإجازة الصيفية… فرصة ذهبية لتطوير المهارات وتقوية القدرات المدرسية
غالبا ما يتبادر إلى أذهان الكثيرين حين تُذكر الإجازة الصيفية ، الراحة والاستجمام، والخروج من ضغط الدراسة والامتحانات. وهذا حق مشروع لكل طالب، لكن ما لا يدركه البعض هو أن العطلة الصيفية لا تعني التوقف عن التعلم، بل هي فرصة ذهبية لتطوير الذات، وتحفيز المهارات، وتعزيز القدرات المدرسية بشكل ممتع ومرن.
غالبًا ما تكون الإجازة الصيفية، التي تمتد لشهرين أو أكثر، فترة منتظرة للراحة بعد عام دراسي طويل ومرهق. لكن ما يغفله كثيرون سواء الطلاب أو الأهل هو أن الابتعاد التام عن الدراسة خلال هذه الفترة له تأثير سلبي واضح على المهارات والمعرفة الأكاديمية.
فنحن ، عندما نتوقف عن ممارسة أي مهارة لفترة طويلة، سواء كانت مهارة ذهنية كحلّ المعادلات أو كتابة التعبير، أو حتى مهارة يدوية كالعزف أو الكتابة، يبدأ الدماغ تدريجيًا في فقدان مرونته في هذا المجال. فمثلما تضعف عضلات الجسد إذا لم نمارس الرياضة، كذلك تضعف "عضلات الدماغ" حين يتوقف الطالب كليًا عن الدراسة، لهذا نجد أن الحفظ يصبح أبطأ، وأن التركيز يقل كما ان مهارات الحل السريع والفهم تتراجع، في الوقت نفسه نجد أن القواعد والمعادلات التي كانت واضحة قبل أشهر أصبحت مبهمة بعض الشئ بالنسبة إلينا.
وهذا يفسّر سبب الصدمة التي يشعر بها كثير من الطلاب في بداية العام الدراسي، حين يعودون لمقاعدهم الدراسية فيجدون صعوبة في الاستيعاب، ويشعرون وكأنهم نسوا كل ما تعلموه!
الراحة ضرورية… ولكن باعتدال
لا أحد ينكر أهمية الراحة بعد عام دراسي طويل. الترفيه والتسلية أمران مهمان لاستعادة النشاط النفسي والجسدي. ولكن ما يجب أن ننتبه له هو أن الراحة لا تعني الانقطاع الكامل عن التحفيز الذهني.
والحل هو في الدمج بين الراحة والتعلّم الخفيف، مثل:
-
تخصيص 30 دقيقة يوميًا لمراجعة خفيفة أو قراءة ممتعة
-
متابعة دروس مبسطة أو فيديوهات تعليمية
-
ممارسة ألعاب تعليمية تفاعلية
-
التسجيل في برنامج تقوية صيفي بوقت مرن
بهذا الشكل، لا يشعر الطالب بثقل الدراسة، ولا يعود إلى المدرسة بعد العطلة "صفر من جديد".
لماذا تُعدّ الإجازة الصيفية وقتًا مثاليًا للتعلّم؟
في الإجازة، يكون الطالب بعيدًا عن الضغوط اليومية والاختبارات، مما يمنحه مساحة نفسية أوسع لاستكشاف طرق تعلم جديدة، دون خوف من الفشل أو الحاجة للحصول على علامات. فالتعلم في الصيف لا يتطلب جداول صارمة، بل يمكن أن يتم بأسلوب خفيف، مدموج بالأنشطة واللعب والتجارب.
فرصة لتقوية المواد الدراسية الضعيفة
الكثير من الطلاب يعانون من فجوات تعليمية في بعض المواد، كالحساب أو اللغة. الإجازة الصيفية تتيح وقتًا كافيًا لتعويض هذه الفجوات، من خلال برامج تقوية فردية أو جماعية، تركز على فهم المفاهيم بطريقة مبسّطة ومشوقة.
فرصة لتنمية المهارات الحياتية والتعلّمية
من خلال دورات قصيرة، وورش عمل ممتعة، يمكن للطالب أن يطوّر:
-
مهارات التفكير الناقد
-
مهارات التنظيم وإدارة الوقت
-
مهارات القراءة والكتابة السريعة
-
اللغات الأجنبية (كالإنجليزية أو الألمانية)
-
ومهارات التواصل والعمل ضمن فريق
ولكن في الحقيقة نجد أن أوقات طويلة يقضيها الأبناء على الهواتف والشاشات، بين الألعاب الإلكترونية، والفيديوهات، والتواصل الاجتماعي، في مقابل عزوف شبه تام عن أي نشاط مفيد أو فعّال.
تتكرر الجمل في كل بيت تقريبًا:
-
"خلص بقى! كل وقتك على التلفون؟"
-
"قوم اعمل شي مفيد!"
-
"لما كنّا قدّك كنّا نلعب برا ونزور قرايبينا!"
لكن الحقيقة أن الزمن تغيّر. لم تعد الحياة كما كانت قبل عقد أو عقدين.
الطبيعة لم تعد متاحة للجميع، والبيوت أصبحت أصغر، والعلاقات الاجتماعية أضعف، والإغراءات الرقمية أقوى من أي وقت مضى.
والمشكلة باختصار ان الإجازة الصيفية أصبحت لدى كثير من الأطفال والمراهقين تعني فقط:
-
النوم لساعات طويلة
-
الإفراط في استخدام الشاشات (ألعاب، تيك توك، يوتيوب...)
-
الابتعاد عن الكتب والمعرفة كليًا
-
الانعزال الاجتماعي وقلة الحركة

وبينما يشعر الأهل بالقلق، يواجهون صعوبة في "إقناع" أولادهم بتغيير هذا الروتين، فيدخلون معهم في صراعات يومية، تُرهق الطرفين، وتنتهي غالبًا بلا نتيجة.
لماذا لا ينجح أسلوب "المنع"؟
لأن الطفل لا يفهم "القيمة المستقبلية" للوقت كما يفعل الكبار.
هو يبحث عن المتعة الآن، ولا يدرك أن كل ساعة تضيع دون فائدة هي فرصة ضائعة لنموّه. وكلما زاد المنع، زاد التمرد… وازدادت الحيل للالتفاف على القواعد.
إلا أن الحل ليس في المنع، بل في إعادة التوازن ، من خلال جدول مرن يحتوي على وقت للترفيه (ألعاب، فيديو، هاتف… ضمن حد زمني واضح)، ووقت للتعلم أو القراءة (حتى لو 30 دقيقة فقط)، ووقت للنشاط الجسدي (مشية، لعبة رياضية، أو حتى مساعدة في البيت)، بالاضافة الى وقت عائلي.
كانت المدارس توزع على طلابها في السابق كتيب صغير للعطلة الصيفية موزع على ثمانية أسابيع ويحتوي القليل من كل المواد ، كان الهدف من هذا الكتيب ليس تعذيب الاهل والطفل انما كان اسلوبا لتعزيز المعرفة .
كتيب مقسّم على ثمانية أسابيع، يضمّ القليل من كل مادة: رياضيات، عربي، لغة ، علوم ، وحتى بعض الترفيه . لكنّ هذا الكتيب، رغم بساطته، كان يحمل فكرة تربوية عظيمةهي ان المعرفة لا تنقطع… حتى في العطلة.
ما الهدف من كتيّب العطلة؟
لم يكن الهدف أبدًا تعذيب الطفل أو إثقال كاهل الأهل، بل:
-
إبقاء الطالب على مسافة ذهنية قريبة من الدراسة
-
منع التراجع الكامل في المهارات بعد شهرين أو ثلاثة من الانقطاع
-
تعزيز العادات اليومية الصحيّة كالمراجعة والتفكير
-
تشجيع الطفل على تحمّل مسؤولية بسيطة يومية بطريقة ممتعة
كان الكتيب يعلّم الطفل – دون أن يدري – أن العطلة لا تعني الفراغ… بل فرصة لصقل المهارات بوتيرة مريحة.
ماذا خسرنا حين اختفى هذا الكتيب؟
مع اختفاء كتيّب العطلة من أغلب المدارس، ومع سيطرة الأجهزة الذكية، أصبحت العطلة بالنسبة لكثير من الطلاب فترة خمول ذهني شبه تام، تنتهي غالبًا بصعوبة في العودة إلى النمط الدراسي، وفقدان الكثير من المهارات الأساسية.
أصبحنا نسمع أكثر:
كتيب العطلة |
-
"ابني نسي جدول الضرب!"
-
"ابنتي كانت تكتب بخط جميل، الآن لا تتحمل الإمساك بالقلم"
-
"نسي كيف يحل المسائل أو يركّز في نص قراءة"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها