الأقمار الصناعية .. عيون معلّقة في السماء تكتب يوميات الأرض وتوثّق زمننا إعداد : سمر ضو

الأقمار الصناعية .. عيون معلّقة في السماء تكتب يوميات الأرض وتوثّق زمننا

إعداد: سمر ضو

 

في السماء العالية، حيث يذوب الضوء في فراغٍ لا نهائي، تتحرك أجسام معدنية دقيقة لا تُرى بالعين المجرّدة، لكنها تحمل أهم ما نملك: أسرارنا. تلك الأقمار الصناعية التي تسبح في مدارات دقيقة، ترافق خطواتنا على الطرقات، وتلاحق إشارات هواتفنا، وتصل بين مدن الأرض كما لو أنها خيوط خفية تنسج شبكة العالم الحديثة.

لم تعد هذه الأجسام مجرّد أدوات تقنية؛ بل أصبحت بنية تحتية للاتصالات، والمراقبة، وإدارة البيانات، وصناعة القرار. وفي الوقت الذي ننظر فيه إلى السماء باندهاش، يجدر بنا أن نتأمل حجم القوة التي تدور فوق رؤوسنا: قوة قادرة على تغيير الحروب، وتوجيه الاقتصادات، ورسم ملامح المستقبل.

هذه العيون الالكترونية التي لا تنام والتي أصبحت جزءا أساسيا من حياتنا، تلتقط صورا عالية الدقة لسطح الأرض، تتتبع حركة السير، تراقب التغييرات في البنية التحتية، تساعدنا على التنبؤ بكوارثنا الطبيعية كالفيضانات، من خلال مراقبة السحب والرياح، وقياس الحرارة في طبقات الجو.


ولا يتوقف دورها عند هذا الحد لتقوم بتشغيل هواتفنا الفضائية، وتنقل البيانات بين القارات، وتشغل القنوات الفضائية. أما دورها في التجسس، فهو الأهم فمنذ بداية الحرب الباردة اعتبرت الأقمار الصناعية واحدة من أهم وسائل جمع المعلومات، ومع الوقت تطورت قدراتها بشكل كبير لتصبح أكبر ارتباطا بكلمة تجسس، ومهمتها تتراوح بين تصوير الأرض بدقة عالية لتصل إلى متابعة الحركات العسكرية كما انها قادرة على التجسس على الاتصالات من خلال متابعة شبكات بعيدة المدى التي تستخدمها الدول الكبرى في بعض الحالات الأمنية.

 وهنا يجب أن لا نغفل الدور الذي تقوم به هذه الاقمار في المجال العلمي والبحثي، لتساهم في تعزيز الزراعة والملاحة والاتصالات عبر تصوير مسافات هائلة وتتبع تغييرات الارض بدقة بالإضافة الى المحيطات والبحار.

وفي عام 2025 قُدر ان هناك نحو 12000 قمرا صناعيا نشطا يدور حول الارض 88 % منها تدور في مدار منخفض وتغطي استخدامات متنوعة من الاتصالات إلى الملاحة وصولا الى البحث العلمي والتجسس.

ماذا تخبرنا هذه الارقام، تقول لنا أن الفضاء أصبح مزدحما بآلاف الأقمار الصناعية وملايين القطع من الحطام ولعل ازياد الاطلاقات التجارية والعسكرية جعل المدار حول الأرض مكانا مزدحما بشكل لم يسبق له مثيل، وهذا الازدحام بدأ يشكل تهديدا حقيقيا لسكان هذا الكوكب.

في عام 2009 أدى اصطدام قمر روسي قديم بقمر أمريكي إلى توليد أكثر من 2000 قطعة من الحطام الفضائي، وقد يشكّل اصطدام أيٍّ من هذه الشظايا بالأقمار الصناعية الجديدة تهديداً مباشراً لسلامتها التشغيلية، أو حتى سلسلة اصطدامات متتابعة تزيد من ازدحام المدار وتفاقم الخطر في الفضاء، مما يجعل بعض المدارات غير قابلة للاستخدام وتعرض المحطات الفضائية المأهولة بالبشر للخطر.

 وقبل ثورة الأقمار الصناعية كانت الاتصالات محدودة جدا، فلم تكن الإشارات التلفزيونية تغطي مسافات بعيدة، وكانت الحواجز الطبيعية والمحدثة تحجبها وتشوشها. وكذا بالنسبة للمكالمات الهاتفية؛ حيث كانت محدودة المسافة أيضا، ومن المكلف للغاية تركيب أسلاك الهاتف لمسافات طويلة سواء فوق الأرض أو تحت المياه.

وبالفعل كانت الأقمار الصناعية مجرد أفكار نظرية في خيال العلماء والأدباء، حتى أطلق السوفيات أول قمر صناعي بحجم كرة الشاطئ في الرابع منتشرين الأول 1957، وكانت مهمته قياس كثافة طبقات الجو المختلفة، وأطلق عليه السوفيات اسم "سبوتنيك-1".

ثم أطلقت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" القمر الصناعي "إكسبلورر-1" في كانون الثاني 1958.  

 وتحتل الولايات المتحدة الأميركية المرتبة الأولى من حيث الدول التي تصنع أو تطلق أو تشغّل الأقمار الصناعية بأكثر من 3500 قمرا، تليها الصين في المرتبة الثانية بأكثر من 550، وتأتي المملكة المتحدة في المرتبة الثالثة بحوالي 480 قمرا، وتليها روسيا في المرتبة الرابعة بـ175 قمرا ثم اليابان بحوالي 90 قمرا.

  حجم الاقتصاد الفضائي العالمي

 في تموز 2025 ، أصدرت مؤسسة الفضاء، وهي منظمة غير ربحية تأسست عام 1983 للنهوض بمجتمع الفضاء العالمي، تقرير الفضاء للربع الثاني من عام 2025 ، كاشفةً أن اقتصاد الفضاء العالمي بلغ مستوى غير مسبوق قدره 613 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ما يعكس نموًا قويًا بنسبة 7.8% على أساس سنوي.  

ولفت التقرير إلى أن القطاع التجاري يستحوذ على 78% من اقتصاد الفضاء العالمي، بينما تساهم الميزانيات الحكومية بنسبة 22% المتبقية. وقد نما الإنفاق الحكومي على الفضاء بنسبة 6.7% ليصل إلى 132 مليار دولار، حيث استثمرت الولايات المتحدة 77 مليار دولار في برامج الأمن القومي والفضاء المدني.

ومع انطلاق عصر الفضاء أصبح من الضروري وضع نظام قانوني ينظم أنشطة الفضاء الخارجي، ويحدد ملكية الأقمار الصناعية ومسؤولية الدول المرسلة منهاوينص القانون الدولي للفضاء على أن الفضاء ليس ملكًا لدولة معينة، وأن استغلاله يجب أن يكون لأغراض سلمية تخدم البشرية جمعاء، مثل البحوث العلمية، الاتصالات، ومراقبة البيئة والكوارث.

وتلتزم الدول التي تطلق أقمارًا صناعية بتسجيلها رسميًا وتحديد المسؤولية عنها، ما يضمن مساءلة الدولة في حال وقوع أي ضرر نتيجة اصطدام أو سقوط أجزاء من الأقمار على الأرض.

كما يضمن القانون تنظيم الاستخدام التكنولوجي للأقمار، بحيث يستفيد العالم من هذه التقنية دون أن تتحول لمجال استغلال أحادي أو تهديد للبيئة الفضائية.

في النهاية، تبدو الأقمار الصناعية أكثر من مجرد أدوات تقنية؛ فهي عيوننا في السماء، وأداة للأمن والمراقبة، ومنصة للبحث العلمي والاكتشاف.

ومع تزايد عدد الأقمار ونمو الاقتصاد الفضائي، يصبح من الضروري أن نضمن استغلال هذه الموارد بشكل مسؤول، يحمي البيئة الفضائية ويخدم البشرية جمعاء، مع احترام القوانين الدولية التي تنظم استخدامها.

 

Survey Says Orbital Traffic Surges: 13,026 Active Satellites as of Oct. 1, a 23% Y-O-Y Increase

https://www.tradeandindustrydev.com/industry/aerospace-defense/survey-says-orbital-traffic-surges-13026-active-35036

 

 الأقمار الصناعية.. عيون ترصد الأرض من الفضاء

https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2024/3/9/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D9%85%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9

The Space Report 2025 Q2 Highlights Record $613 Billion Global Space Economy for 2024, Driven by Strong Commercial Sector Growth

https://www.spacefoundation.org/2025/07/22/the-space-report-2025-q2/?utm_source

الإطار العام للقانون الدولي للفضاء الخارجي

https://asjp.cerist.dz/index.php/en/article/164009?utm_source

النظام القانوني للفضاء الخارجي

https://repository.neelain.edu.sd/items/791bb1c3-0e60-4c7c-a275-0e834c19099c?utm_source

تعليقات