حبوب الإفطار.. كيف يسيطر التسويق على عاداتنا الغذائية
إعداد : سمر ضو
سمعنا الكثير من المعتقدات في صغرنا، مثل أن القهوة تُعيق النمو، وأن الجزر يُحسّن الرؤية الليلية، وأن وجبة الإفطار هي أهم وجبة في اليوم. لكن اتضح فيما بعد أن كل هذه الخرافات لا أساس لها من الصحة. فلا يوجد دليل علمي يُثبت قدرة القهوة على إعاقة النمو، ورغم أن الجزر غني بفيتامين A المفيد للبصر، إلا أنه لا يمنح الإنسان القدرات الخارقة. أما أهمية وجبة الإفطار، فقد انخدع بها الجميع، وليس الأطفال فقط.
فأصل مقولة «الإفطار أهم وجبة في اليوم»، يعود لحملة تسويقٍ لحبوب إفطار، أطلقتها شركة غريب نتس صاحبة العلامة التجارية جنرال فوودز للمواد الغذائية عام 1944.
وخلال الحملة التي رفعت شعار «تناول إفطارًا جيدًا، تُنجزْ عملًا أفضل»، تم توزيع منشوراتٍ تروج لأهمية وجبة الإفطار، وزعمت هذه الإعلانات أن خبراء التغذية يؤكدون أن الإفطار أهم وجبة في اليوم.
وبالفعل لعبت هذه الإعلانات دورًا رئيسًيا في زيادة مبيعات الحبوب، وهو منتج ابتكره طبيب نباتي متدّين، يدعى جون هارفي كيلوغ، لأنه اعتقد أن الحبوب ستحسّن صحة الأمريكيين.
في منتصف القرن التاسع عشر، وقبل انتشار حبوب الإفطار، كانت الطبقة المتوسطة والعليا من الأمريكيين يتناولون البيض والمعجّنات والفطائر والمحار والدجاج المسلوق وشرائح اللحم خلال وجبة الإفطار. وكان الإفطار في أوروبا عبر القرون الوسطى يمثل ترفًا للأثرياء، وضرورة للعمال.
وتعود جذور وجبة الحبوب إلى المصحّات التي أُنشئت منتصف وأواخر القرن التاسع عشر، على يد أطباء مثل جون هارفي كيلوغ. وكان يعتقد هو وزملاؤه أن النظام الغذائي للأمريكيين، القائم على الكثير من اللحوم والتوابل، تنعكس آثاره السلبية على صحتهم. فعمدوا إلى وضع أنظمة غذائية من شأنها تحسين صحة مواطنيهم. واستندوا في عملهم لتفضيل الحبوب الكاملة على الخبز الأبيض.
في هذا الاطار اخترع سيلفستر غراهام، وهو خبير حميات غذائية، رقائق غراهام عام 1827، ثم اخترع جيمس جاكسون حبوب الجرانولا عام 1863. وطوّر كيلوغ الجرانولا إلى الكورن فليكس في 1890.
لم تكن النسخ الأصلية حلوة المذاق، وتختلف كثيرًا عن الرقائق التي نعرفها اليوم. وكان الناس ينقعون جرانولا جاكسون بالحليب لتصبح صالحة للأكل. وقد سمّاها منتقدوها صخور القمح، ولم تجعلها تعديلات كيلوغ أفضل كثيرًا.
وخلال هذه الفترة اعتُبرت الحبوب حلًا لعسر الهضم المنتشر في البلاد. ونظرًا لأنها سهلة التحضير، فقد غدت طعامًا مناسبًا في زمن الثورة الصناعية، لأنه لا يتوافر للناس الكثير من الوقت لإعداد الطعام.
واعتقد الدكتور كيلوغ أن الطعام الحيوي من شأنه أن يعالج أمراضًا أكثر من مشاكل عسر الهضم، تمامًا كما الدكتور جراهام مع رقائقه. ورأى أن وجبات الأمريكيين الغنية باللحوم دفعتهم لارتكاب خطايا جسدية. وكتب عن ذلك «اللحوم المتبلة والصلصات المنعشة والمقبلات اللذيذة المتنوعة تثير الأعصاب وتجعلنا نستجيب للغرائز».
بقيت الحبوب محافظة على سمعتها كغذاء صحي بفضل وابل الإعلانات المستمر. فالمبالغات الإعلانية جعلت شركة بوست تدّعي أن الحبوب تعالج كل الأمراض حتى الملاريا والتهاب الزائدة الدودية. وعبارة «مصدر جيد لفيتامين د» على عبوة الحبوب اليوم، تعود لهاجس الأمريكيين بخصوص الفيتامينات في عشرينيات القرن الماضي.
ولإغراء الأطفال بتناول الحبوب، استخدمت الشركات شخصيات كرتونية مثل توني النمر (على الرقائق المغطاة بالسكر) وبوب (على الأرز المقرمش) وغيرها. ومثّلت الإعلانات مفتاح تسويق الحبوب، وسواء بمشاركة شخصيات كرتونية أو ادعاءات صحية.
وقد أسهم ذلك في أن بلغ حجم سوق حبوب الإفطار العالمية 38.12 مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن ينمو إلى 58.35 مليار دولار بحلول 2032 بمعدل نمو سنوي مركب 5.54%.
وفي أمريكا الشمالية تسيطر على الحصة الأكبر بحوالي 45.64% من السوق، مدفوعة بالابتكار المستمر وإطلاق منتجات مدعمة بالبروتين والألياف. ففي الولايات المتحدة من المتوقع نمو السوق إلى 20.82 مليار دولار بحلول 2032، مع زيادة منتجات الحبوب العضوية ، وانتشار التجارة الإلكترونية.
أما في المملكة المتحدة يتركز الطلب على الحبوب الكاملة والعضوية، مع انخفاض السكر المدعوم من الحكومة، ونمو التسوق الإلكتروني للبقالة إلى أكثر من 50% من الأسر بحلول 2025.
وفي فرنسا يدعم انتشار حبوب الإفطار وزيادة استهلاك الحبوب الساخنة، كما يظهر ولاء المستهلكين للمنتجات المحلية الطبيعية، بينما في ألمانيا يرتفع الطلب على الحبوب الكاملة والغنية بالألياف، مع اعتماد تقنيات البلوك تشين لتتبع مصادر الحبوب، وتوسع المنتجات العضوية بنسبة 20%.
أما في اليابان، فقد أضيفت نكهات محلية مثل الماتشا والأزوكي، وأصبحت العبوات الفردية والمشروبات الترويجية جزءًا من تجربة الإفطار اليومي.
على الرغم من التسويق المكثف والدعاية المستمرة، يبقى الإفطار وجبة أساسية عندما يحتاج الجسم للطاقة،وهو مزيج من الثقافة، العادات، والابتكار الصناعي، حيث يوازن المستهلكون بين الطعم، الصحة، والراحة. ومع توسع سوق حبوب الإفطار عالميًا، يستمر تحدي الشركات في تقديم منتجات تلبي احتياجات التغذية الحديثة، مع مراعاة التفضيلات الفردية والحفاظ على ثقة المستهلكين.
Source:
https://www.fortunebusinessinsights.com/ar/industry-reports/breakfast-cereals-market-100535?utm_source
When did breakfast foods become part of our daily routine, and what you should really eat?
https://www.abc.net.au/news/health/2024-01-19/breakfast-food-nutrition-meals-cereal-bacon-marketing-morning/103091376?utm_source
How The World Was Duped Into Believing Breakfast Is The Most Important Meal
https://www.tastingtable.com/1922048/breakfast-most-important-meal-kelloggs-marketing/
Cereal: How Kellogg Invented a ‘Better’ Breakfast

.jpg)
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها