يواجه العديد من الموظفين حول العالم اليوم معضلة متكررة في مسارهم المهني: هل يستمرون في وظائفهم الحالية لسنوات طويلة، أم يغامرون بالانتقال إلى فرص جديدة في شركات أخرى؟ الإجابة ليست بسيطة، إذ تتوقف على أهداف الشخص المهنية والشخصية، وعلى طبيعة السوق ومتطلبات الوظائف الحديثة.
ويعتبر التنقل بين الوظائف استراتيجية لزيادة الدخل والتقدم المهني بسرعة، خاصة في القطاعات الديناميكية مثل التكنولوجيا، حيث وجد استطلاع نشر مؤخرا أن 64% من الأشخاص الذين ينتقلون بين الوظائف يعتقدون أن ذلك يسرّع تقدمهم المهني ... مبينا انه على مدى ثلاث سنوات، حقق التنقل بين الوظائف زيادة في الراتب بنسبة 35% ، تقريبًا ضعف ما يحققه الموظفون الذين يبقون في نفس المنشأة.
وبالتالي، أصبح هذا الأسلوب يُنظر إليه اليوم، خصوصًا بين الشباب، كوسيلة لاكتساب مهارات أوسع وتجارب متنوعة، بدلاً من اعتباره علامة على عدم الاستقرار.
وتشير بيانات عالمية إلى أن أنماط العمل الحديثة تغيّرت بشكل واضح في مدة البقاء في الوظيفة: فالموظفون من جيل Gen Z (أقل من 27 سنة) يبقى في الوظيفة الحالية بمتوسط 1.1 سنة فقط في السنوات الأولى من حياتهم المهنية، بينما تزيد هذه المدة لدى الأجيال الأكبر سنًا إلى حوالي 2.8–2.9 سنة.
كما أظهر مسح أجرته شركة راندستاد (Randstad) وهي شركة هولندية عالمية رائدة في مجال خدمات الموارد البشرية والتوظيف، أن 22% من جيل Z يغادرون وظائفهم في سنة أو أقل، بينما يخطط 33% منهم لمغادرة الوظيفة الحالية خلال 12 شهرًا، مقارنة بنسب أقل لدى الأجيال الأكبر.
المسار الانسب للاختيار بين البقاء أو الانتقال الى وظيفة جديدة
البقاء لسنوات طويلة في منصب واحد يتيح لك فهمًا عميقًا لثقافة الشركة وعملياتها، مما يرفع مستوى الكفاءة والقدرة على الإبداع داخليًا.
ويجب أن يكون الاختيار بين البقاء أو الانتقال مبنيًا على أهداف واضحة مثل : هل تريد زيادة راتبك بسرعة أو تطوير مهارات متخصصة، هل الوظيفة الحالية تمنحك فرص ترقية وتعلّم داخلية، وما اذا كانت بيئة العمل الحالية توفر لك دعمًا لتوازن الحياة والعمل.
على سبيل المثال، إذا كانت وظيفتك الحالية تمنحك فرصًا للتطوير ومكافآت عادلة، فقد يكون البقاء خيارًا منطقيًا. أما إذا كنت تواجه جمودًا مهنيًا وتبحث عن خطوة نوعية في دخلك أو مهاراتك، فإن الانتقال المتوازن بين الوظائف قد يكون مفيدًا.
وحول أبرز السلبيات المحتملة للتنقل المتكرر بين الوظائف، أظهرت دراسة أجريت على حوالي 20,000 شخص في اليابان أن الانتقال الوظيفي مرتبط بزيادة الشعور في القلق والإرهاق، والأرق لدى من غيّروا وظائفهم مؤخرًا مقارنة بمن لم يغيّروها.
وبهذا نستطيع القول انه على الرغم من ان التنقل بين الوظائف يمكن أن يعزز راتبك وخبرتك ويمنحك تجارب متنوعة بسرعة، لكنه قد يرهقك جسديًا ونفسيًا إذا كان متكررًا بدون هدف واضح.
بالاضافة الى ذلك حصل 30% من الموظفين الذين يغيرون وظائفهم باستمرار على أربع زيادات أو أكثر في السنوات الثلاث الماضية، مقارنة بنسبة 9% فقط من الموظفين ذوي الخبرة الطويلة.
ويشير مارك سلاك، خبير التوظيف في موقع SideHustles.com، إلى أن التنقل بين الوظائف، الذي كان يُعدّ سابقًا ممارسة محرّمة، أصبح اليوم مثالًا بارزًا على إعادة تعريف معايير المسار المهني عبر التحولات الجيلية. وقال سلاك: "ما كان يُنظر إليه سابقًا على أنه عدم استقرار، يُعتبر الآن قدرة على التكيف وطموحًا، ويعكس كيف تعطي الأجيال الشابة الأولوية للنمو والمرونة على الولاء لمكان عمل واحد".
وفي مقال نشره موقع Forbes.com حول كيفية تحويل التنقل بين الوظائف إلى استراتيجية مهنية فعّالة، أكدت إيفا تشان، خبيرة التوظيف في Resume Genius، أن التنقل بين الوظائف أصبح سمة بارزة في المسارات المهنية الحديثة. وأوضحت تشان أن هذا التنقل، عند اعتماده بطريقة استراتيجية ومدروسة، يمكن أن يُسهم في تعزيز فرص الباحثين عن عمل وتحقيق نمو مهني ملموس، وليس مجرد زيادة في الرواتب.
خمس استراتيجيات رئيسية لإدارة التنقل الوظيفي بذكاء
1- إجراء تقييم مهني شامل: يساعد هذا التقييم على فهم دوافعك الحقيقية والتفكير بعمق في الخيارات المهنية المتاحة، ما يضمن أن تكون كل خطوة في مسارك الوظيفي محسوبة ومؤثرة على نموك المهني.
2- التخطيط الاستراتيجي للانتقالات: يشمل ذلك مراعاة التطور الوظيفي طويل الأمد، وفهم ظروف السوق الحالية، وإعداد عرض واضح لأسباب تنقلك المهني تُظهر قدرتك على اتخاذ قرارات مدروسة.
3- الشفافية في عرض التجارب المهنية: من المهم أن يكون الموظف صريحًا بشأن تاريخ وظائفه، مع التركيز على شرح الأسباب التي تعكس نموه المهني وإدارته للتحديات.
4- إبراز القدرة على التكيف: ان القدرة على إدارة التحولات واستخلاص الرؤى من التجارب المختلفة تُعدّ من أهم المهارات التي يقدّرها أصحاب العمل، فهي تعكس المرونة والطموح والقدرة على مواجهة تحديات سوق العمل الحديث.
5- تقييم موقف الشركات تجاه التنقل بين الوظائف: رغم تزايد قبول التنقل الوظيفي، إلا أنه ما زال يثير القلق لدى بعض مديري التوظيف. ووفقًا لاستطلاع Resume Genius حول اتجاهات التوظيف لعام 2024، يعتبر نصف مديري التوظيف التنقل المتكرر بين الوظائف أمرًا مثيرًا للقلق.
ختامًا، يتضح مما سبق أن التنقل بين الوظائف لم يعد مجرد علامة على عدم الاستقرار المهني، بل أصبح أداة استراتيجية للنمو والتطور في عالم العمل الحديث. والمعيار الاساسي للنجاح المهني يكمن في التخطيط المدروس لكل خطوة، وفهم دوافعك المهنية، والتأكد من أن كل انتقال يعزز مهاراتك وخبراتك ويرتقي بمسارك الوظيفي.
المصادر:
64% Of Job Hoppers Say Frequent Moves Boost Career Mobility And Salary
https://www.forbes.com/sites/bryanrobinson/2024/11/05/64-of-job-hoppers-say-frequent-moves-boost-career-mobility-and-salary/
new research finds Gen Z’s average job stint is 1.1 years - but it’s not job-hopping, it’s growth-hunting.
https://www.randstad.com/press/2025/genz-workplace-blueprint/
.jpg)
.jpg)
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها