يلا ندبك… برنامج أعاد الحياة لذكرياتنا الشعبية وأثبت أن الهوية تُعاش وتُرقص
بقلم : سمر ضو
الشباب والشابات اللي كانوا عم يدبكوا ببرنامج "يلا ندبك" ما كانوا عم يرقصوا على إيقاع بس... كانوا عم يضربوا الأرض بأقدامهم ليقولوا إن جذورهم بعدها هون.
خبطة القدم اللي هزت المسرح وهزت قلوبنا ما كانت حركة فولكلورية عابرة، كانت إعلان وجود، ووعد صامت إنو هالأرض إلنا، وإنو مهما تعبنا أو اشتدت الظروف رح نضل متمسكين فيها. كل خبطة قدم كانت عم تحكي وتقول : هون بيتنا، هون ذاكرتنا، وهون منكمّل.
أما المغترب اللبناني، كانت كل خبطة قدم تعيد له نبض الأرض التي رحل عنها، شعور بالحنين يملأ قلبه بالألم والشوق، يعصر روحه ويوقظه لكل ذكرى طفولته، لكل رائحة، لكل صوت وابتسامة من وطنه الذي يبقى حيًا في ذاكرته مهما بعدت المسافات.
الدبكة اللبنانية كانت ورح تبقى أكتر من رقصة. هي لغة جماعية بتجمع الناس بإيد واحدة وخطوة واحدة. فيها عنفوان الرجال وثباتهم، وفيها نعومة البنات وقوّتهن.
لما الدبّيك يمسّك إيد اللي حدّه، ما بيمسّكها بس ليكمل الرقصة، بل ليقول إنو ما فينا نترك بعض، وإنو لبنان ما بينبنى إلا بإيدين أهله سوا.
ومن هون، بيجي دور الفلكلور اللبناني كذاكرة حيّة للهوية، بأزيائها التقليدية، بالشروال والقمباز، بالتطريز وألوان الثياب المستوحاة من الوان طبيعتنا، وبالأغاني الشعبية، اللي بتختصر تاريخنا وعلاقتنا بأرضنا. هو تعبير صادق عن الانتماء، عن التشبث بالجذور، وعن الاستمرارية عبر الأجيال، من الضيعة للمدينة، ومن الماضي للحاضر.
برنامج "يلا ندبك" قدر يعمل شي نادر بزمن صعب. ما اكتفى بإحياء الدبكة بحركاتها وإيقاعها، بل حرّك الرأي العام لأنه مسّ كل إنسان، كل بيت، كل عجوز اشتاق لأيام زمان، وكل شب عم يفتّش عن سبب ليضل. البرنامج أعاد إحياء ثقافتنا الشعبية بكل تفاصيلها، من فنجان القهوة لسلة العنب، لأجواء بعلبك وسحر لبنان عروس الشرق.
قناة MTV اللبنانية ومن خلال هذا البرنامج وغيرها من البرامج، كانت دائمًا حاضنة لإحياء التراث والهوية اللبنانية، وبكل حلقة من "يلا ندبك"، حسّينا بقساوة الأرض اللي بتعلّم الصمود، وبقلب أهلها اللي ما بينكسر. شمّينا تراب لبنان، ولمسنا عنفوان رجاله وصمود ناسه. والأغاني اللي رافقت الدبكة ما كانت مجرد موسيقى، كانت ذاكرة حيّة: من صباح لنصري شمس الدين، من فيروز لغسان صليبا وغيرهم. أغاني ما بتموت، متل بلدنا، بلد بينجرح بس ما بينكسر.
"يلا ندبك " ذكّرنا إنو البقاء بالأرض مش بس خيار، هو موقف. وإنو كل لبناني، مهما اشتدّت الظروف، عنده مسؤولية يضل متجذّر، متل خبطة القدم بالدبكة: ثابتة، قوية، وما منرفعها إلا لترجع تضرب الأرض من جديد.
وبين الماضي والحاضر، يبقى الفلكلور اللبناني جسرًا حيًا يربط الأجيال بأرضها، ويؤكد أن الهوية لا تُحفظ بالكلمات وحدها، بل تُعاش، وتُرقص، وتُثبَّت خطوةً بعد خطوة.

تعليقات
إرسال تعليق
اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها