أصبح من الملاحظ في العصر الحديث تراجع الرغبة في القراءة لدى الكبار والصغار على حد سواء، وهو تحول يثير القلق لما له من انعكاسات نفسية وثقافية وعلمية.
ففي الماضي، كانت الكتب تمثل نافذة إلى عوالم لا نهائية من المعرفة والتجارب الإنسانية، وكانت المكتبات المنزلية أركانًا مليئة بالحياة والأفكار. أما اليوم، فالكثير من المنازل تحولت إلى مجرد مخازن للأشياء، والمكتبات المنزلية أصبحت أحيانًا أركانًا فارغة من المعاني، تحمل كتبا متراكمة بلا قراءة أو تفاعل. وكأن هذا الكتاب الذي يحمل العالم بأفكاره المكتنوعة إلينا لم يعد يكفينا فلجأنا الى مصادر أخرى تمنحنا شيئا قليلا من المعرفة والكثير من المغالطات تقدم إلينا بسرعة واختصر مدروسين حتى أصبحنا اذا قرأنا صفحة كاملة من كتاب نشعر بالعجز والارهاق والتعب.
أسباب تراجع الرغبة في القراءة
تعددت أسباب هذا التراجع. أولاً، سيطرة الوسائط الرقمية والمحتوى السريع على الحياة اليومية، مما يجعل الأطفال والكبار على حد سواء يفضلون الفيديوهات القصيرة والتطبيقات الترفيهية على صفحات الكتب الطويلة.
ثانيًا، ضعف الثقافة القرائية في المجتمع، حيث لم تعد القراءة عادة يومية تُمارس منذ الصغر، مما يجعلها نشاطًا ثانويًا أو كماليًا لا ضرورة حقيقية له.
ثالثًا، وهو الأهم ، أصبحت العزلة عن التجارب الفكرية المعمقة، وغياب الحوار حول الكتب والنقاشات الأدبية يقلل من جاذبية القراءة كوسيلة للتعلم والتفكير. متى قرأنا آخر كتاب ومتى ناقشناه ، لم نعد نذكر أبدا . بل نستطيع الجزم اننا في السنوات الخمس الأخيرة لم نحمل كتابا ، علما اننا لا زلنا نواضب على زيارة معرض الكتاب وشراء الكتب. لا أكثر ولا أقل.القراءة بين النفس والعلم
الكتب ليست مجرد مصادر للمعلومات، بل أدوات لتشكيل الشخصية وتنمية الذكاء العاطفي والفكري. القراءة تنمي القدرة على التركيز، وتزيد من الإدراك النقدي، وتفتح آفاق الخيال والإبداع.
غياب هذه الرغبة يعني فقدان هذه المنافع النفسية أولًا، قبل التأثير العلمي أو المعرفي. فالطفل الذي لا يقرأ قد يفقد قدرة على التعبير عن نفسه، والكبير الذي يبتعد عن القراءة يحرم نفسه من التوسع المعرفي وتحديث معلوماته ومهاراته الفكرية.
دور المكتبات المنزلية
كانت المكتبات المنزلية في السابق مرآة للعقل والروح، تعكس اهتمامات الأسرة وتوجهاتها الثقافية. أما اليوم، فغالبًا ما تحولت هذه المكتبات إلى رفوف فارغة المعنى، مليئة بالكتب غير المقروءة أو المزخرفة دون أي قيمة عملية.
وهنا يبرز التحدي الأكبر: كيف نعيد للمكتبات حياتها ودورها في المنزل؟ كيف نحفز أفراد الأسرة على العودة إلى القراءة ليس كفرض أو واجب، بل كمتعة وفضول طبيعي؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها