الأربعاء، 31 يناير 2024

من بيوت الحكمة ومكتبات العلم الى زمن الجهل والانصياع للاخرين / سمر ضو

اذا كانت الشعوب تقاس بالعلم والمعرفة كيف نقيس جهل مجتمعاتنا العربية الحالية الا انه بدل اهتمامه بفتح المكتبات العامة ومراكز التعليم كبيت الحكمة ومكتبات دمشق وبغداد والقاهرة التراثية قام بحرقها وتدويرها ليفتح المجال امام الفكر الغربي المدسوس في السيطرة على معتقدات شعوبنا وافكارنا ومعتقداتنا ليصبح من السهل عليهم قيادة الاجيال القادمة التي اضحت تخجل باللغة العربية وتقيس تطورنا العلمي والحضاري بمدى اتقاننا للغات الاخرين علما ان الغرب سرق كتبنا وحرق مكتباتنا.

كان بيت الحكمة أو خزائن الحكمة هيَ أول دار علمية أقيمت خلال العصر الذهبي للإسلام، أُسِّسَت في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، واتُّخذَ من بغداد مقراً لها. 

كان أبو جعفر المنصور مهتماً بعلوم الحكمة، فترجمت له كتب في الطب والنجوم والهندسة والآداب، فقام بتخصيص خزانات للكتب في قصره لحفظها حتى ضاق قصره عنها.

عندما تولى هارون الرشيد الحكم أمر بإخراج الكتب والمخطوطات التي كانت تحفظ في جدران قصر الخلافة، لتكون مكتبة عامة مفتوحة أمام الدارسين والعلماء وطلاب العلم وسماها ببيت الحكمة، وأضاف إليها ما اجتمع عنده من الكتب المترجمة والمؤلفة، فتوسعت خزانة الكتب وأصبحت أقسام لكل منها من يقوم بالإشراف عليها، ولها تراجمة يتولون ترجمة الكتب المختلفة من الحضارات المجاورة إلى العربية، وتحولت من مجرد خزانة للكتب القديمة إلى بيت للعلم ومركزاً للبحث العلمي والترجمة والتأليف والنسخ والتجليد، وأصبح لبيت الحكمة دوائر علمية متنوعة لكل منها علماؤها ومترجموها ومشرفون يتولون أمورها المختلفة.

نشأ بيت الحكمة أولاً كمكتبة ثم أصبح مركزاً للترجمة، ثم مركزاً للبحث العلمي والتأليف، ثم أصبح داراً للعلم تقام فيه الدروس وتمنح فيه الإجازات العلمية، ثم ألحق به بعد ذلك مرصداً فلكياً هو مرصد الشماسية.  

كان لبيت الحكمة أثر عظيم في تطور الحضارة الإسلامية، وكان المحرك الأول لبدء العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وأسهم إسهامات كبيرة في مجالات الطب والهندسة والفلك. ساهم بيت الحكمة في إنقاذ التراث العالمي من الفناء والضياع بجلبه كنوز المعرفة من أنحاء العالم وترجمتها ثم حفظها ونشرها. 

 وتأكيدا على اهدافهم المبطنة في حرق الهوية العربية وسعيهم لطمس الحقائق ولتحقيق اهدافهم بجعل الشعوب العربية شعوب جاهلة كانت الغزوات تبدأ بحرق المكتبات او سرقتها ، ففي غزو المغول لبغداد عام 1258 م قام المغول بحرق المكتبات ورمي الكتب في نهر دجلة. 

وكان سقوط بغداد خسارة فادحة للثقافة والحضارة الإسلامية، بعدما احترقت الكثير من المؤلَفات القيمة والنفيسة في مختلف المجالات العلمية والفلسفية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، حيث أضرم المغول النار في بيت الحكمة، وهي إحدى أعظم مكتبات العالم القديم آنذاك، وألقوا بالكُتب في نهرى دجلة والفرات، حتى يقال أن ماء نهر دجلة تحول الى الأحمر والأزرق بفعل دماء القتلى وحبر الكتب التي أغرقت.
  فيذكر كتاب " أطلس تاريخ العصر المملوكي" للدكتور سامي بن عبدالله المغلوث، أن جنود هولاكو اتلفو عددا كبيرا من الكتب القيمة في مكتبات بغداد التي أفرزتها العقول النيرة، حتى إنهم ملأوا نهر دجلة بالكتب وجعلوها جسورا لخيولهم، فتحولت مياه النهر الأزرق الصافي  إلى اللون الأسود من اختلاطها بالمداد.

كما جاء في كتاب " منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير" تأليف فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومى، أن "هجمات المغول وسقوط الدولة العباسية وقيام المغول بقتل الكثير من العلماء ورميهم للكتب العلمية في نهر دجلة حتى صار ماؤه أزرق ثلاث أيام، كما يذكر المؤرخون".

 وأما الأمريكان فاحرقوا المكتبة المركزية في بغداد وهربوا ما فيها من كتب اثرية الى امريكا. ولم تنته عقدة الكتب فقد قام الإرهابيون في العراق بتفجير شارع المتنبي في بغداد وأيضا احترقت الكتب والمكتبات في هذا الشارع .

لا شك ان فتح المكتبات والاهتمام بالعلم والمعرفة يعتبر من دلالات تطور المجتمعات ، حيث أضحت الشعوب تتباهى بأهمية مكتباتها وتهتم بعلماءها والباحثين أما اليوم أضحت الكتب زينة في بعض زوايا المنازل ، حتى تعبت منها البيوت لم يعد هناك من يقرأ ولا من يهتم حتى بإزالة الغبار عنها لأن وسائل التوصل الاجتماعي قد ملأت الفراغ الفكري الذي كان يعترينا في السابق وحاجتنا الى المعرفة ملأته بأتفه الفيديوهات وأسخف المشاهد لتصبح الشعوب العربية والعالمية على سواء فارغة في المفاهيم والعقائد والافكار لتنصاع بسهولة الى عملية غسل المخ الذي ينتهجه الغرب للسيطرة على العالم.

وللأسف.. تأكدت مخاوفي عندما قرأت ما قاله الصحفي الأمريكي إدوارد هنتر أن: "غسيل المخ هو نظام يعمل تشويش الدماغ وتعكير صفوه، فيصبح سهلاً تضليل الإنسان ليقبل بأشياء تتعارض مع مبادئه نتيجة التشويش الذي أصاب ذهنه، فيفقد الاتصال بالحقيقة، وتختلط الحقائق والأوهام في نظره، وتبدو له الأولى مكان الأخيرة والعكس صحيح..".  

  ان ما يُمَكِّن وسائل الإعلام من تغيير وترسيخ ما تريده في عقول مشاهديها إن كانت مفاهيم أو معتقدات أو آراء هي رغبة من هم خلف سِتارها لأهداف سياسية أو تجارية أو غيرها، وما يساعد تحقيق ذلك هو رغبة مشاهديها في أن تتلقى ما يُعرض وكأنه نوع من الحقيقة التي لا لبس فيها.

إن التحكم الإعلامي الذي كان في الأمس من خلال التلفاز والمذياع  وأضحى اليوم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يكون عادة لمصلحة شركات عالمية رائدة، والتي تعمل على التنافس في التأثير على المشاهدين لمصالحهم التجارية ولكسب أكبر عدد ممكن من العملاء، حتى امتد ذلك إلى تحكُّم السياسيين والمحافظين من رؤساء ومنتخَبين، لِيَدور صراع إعلامي بينهم ليفوزوا بأكبر عدد ممكن من الجماهير المؤيدين.  

 بهذا قال الأنصاري في كتابه "العقل الآلي" على أن التلفاز يقوم مقام الأَفْيون حيث يقوم بتغييرات حقيقية في العقول، مما يجعلنا نُدمن على المشاهدة والاستماع، لدرجة تصديق الكثير من المعلومات المُضَلِّلة التي يتم إرسالها برموز مُشَفَّرة من أيدي أُناسٍ مَكَرَة، فنَتَقَبَّلها مُترجمة كحقائق راسِخَة ونحن بكامل قوانا العقلية!  

ويبقى الهدف ان تتحول الشعوب العربية الى شعوب فارغة من الفكر والمضمون من خلالها اقفال مكتباتها ومحو ثقافتها التي كانت منارة العلم  ومنه انطلقت العلوم في العالم .

حتى تحول الشعب العربي الى شعب لا يقرأ ولا يهتم بالقراءة . حتى وصل بنا الحال الى أن يقول عنا العدو الاسرائيلي على لسان وزير الجش موشي ديان : "العرب شعب لا يقرأ، واذا قرأ لا يفهم، واذا فهم لا يطبق"  هذا هو هدفهم وهذا ما نعمل على تحقيقه لهم كل يوم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها

توافق الصحة النفسية للطفل بين الاسرة والمدرسة

  توافق الصحة النفسية للطفل بين الاسرة والمدرسة إعداد : سمر ضو   1-العلاقات بين المدرس والتلاميذ التى تقوم على اساس من الديموقراطية والتوجيه...