الاثنين، 30 نوفمبر 2020

"الربيع العربي" أول ثورة أداتها الأساسية الهواتف الذكية

قبل عقد من الزمن، منحت مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية المتظاهرين الشباب خلال الربيع العربي وسيلة تقنية ساعدتهم على الإطاحة بأنظمة متسلطة ومتجذّرة، بعد أن انتشرت بواسطتها روح الثورة.

وقامت انتفاضات شعبية لم يتوقعها أحد توسعت بسرعة بفضل تويتر وفيسبوك ويوتيوب.



لكن ولسوء حظ التحركات المؤيدة للديموقراطية، دخلت الدول الاستبدادية بعد ذلك في سباق التسلح الرقمي، فعززت المراقبة الإلكترونية والرقابة على الإنترنت والجيوش الالكترونية.

وبعد أن قدم الربيع العربي بصيص أمل لكثيرين، انتهى في معظم الدول التي شهدته بأنظمة أكثر قمعية من قبل أو بحروب مدمرة، كما هي الحال في سوريا وليبيا واليمن.

رغم ذلك، يقول الناشطون الذين شاركوا في التحركات الشعبية في تلك الفترة، إن هناك لحظة فاصلة في تلك الثورات تتمثل في إطلاق حقبة "احتجاجات الهاشتاغ" التي استخدمها الذين احتلوا وول ستريت إلى الذين نظموا احتجاجات المظلات في هونغ كونغ وحركة "حياة السود مهمة" أخيرا في الولايات المتحدة.


وتتسم مثل هذه الاحتجاجات بكثافة استخدام الإنترنت والافتقار الى قيادة، فتبدأ وتنفّض فجأة بشكل خاطف، ما يصعّب على السلطات تعقبها وقمعها، بينما تتولى الجماهير عبر الانترنت التعبير عن مظالمها ومطالبها.

 ويقول نشطاء الإنترنت العرب اليوم إن السلطات في الدول العربية فقدت جزءا من قدرتها على التحكم بما يمكن للمواطنين رؤيته ومعرفته وقوله، كما اتضح من خلال الموجة الثانية من الاحتجاجات التي هزت الجزائر والسودان والعراق ولبنان في 2019 و2020.

وبالتالي، فإن الرقابة الرسمية الثقيلة تزعزعت في العديد من الأماكن.

وأحدثت هذه الروح الحرة أيضا تغييرا نحو الأفضل في البلد المتوسطي الصغير حيث بدأ كل شيء: تونس.

- "التعبئة الشاملة بالهواتف الذكية" -

ومثّلت حادثة الانتحار المأساوية للبائع التونسي الجوال محمد البوعزيزي (26 عاما) الذي أضرم النار في نفسه بعد أن تعرض للخداع والإذلال من مسؤولين في الدولة، الشرارة التي أطلقت الربيع العربي.

وإذا كان تصرفه اليائس في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 عبّر عن غضب حقيقي كان يشعر به الملايين، فإن العالم الافتراضي للتواصل عبر الإنترنت هو ما نشر الغضب والأمل في التغيير كالنار في الهشيم.

وتم تسخير السخط الذي كان يُطبَخ على نار هادئة منذ فترة طويلة في الأوساط الشعبية الفقيرة، وعرف الناشطون البارعون في مجال التكنولوجيا والمتحدرون بمعظمهم من الطبقة الوسطى كيف يضاعفونه لتظهير حركة جماهيرية ما لبثت أن انتشرت من المغرب إلى إيران.



ولا توجد لقطات مصورة لحادثة حرق البوعزيزي نفسه، لكن تم تناقل صور كثيرة وأشرطة فيديو لا تحصى حول احتجاجات الشوارع التي تلت وعنف الشرطة الذي كان يهدف إلى قمع المتظاهرين وتخويفهم، لكنه بدلا من ذلك أثار المزيد من الغضب.

وأصبحت الهواتف الذكية بكاميراتها سلاحا للمواطنين في حرب المعلومات التي سمحت للجميع تقريبا أن يصبحوا شهودا وينظموا أنفسهم، في "تعبئة شاملة بالهواتف الذكية".

وتمت مشاركة المقاطع المصورة بشكل خاص على موقع "فيسبوك"، وهو وسيلة خارجة عن سيطرة الدول البوليسية التي سيطرت بشدة على مدار عقود على وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية.

ويتذكر مدوِّن اسمه حمادي كالوتشا قائلا "كان دور فيسبوك حاسما".

ودرس كالوتشا في بلجيكا وأطلق في عام 2008 منتدى على "فيسبوك" بعنوان "لدي حلم...

تونس ديموقراطية".

وأوضح "كان بالإمكان نشر المعلومات مباشرة أمام أنظار النظام"، مضيفا "جُمّدت الرقابة.

كان عليهم إما أن يراقبوا كل ما يتم تداوله أو أن لا يرصدوا أي شيء".

وإذا كان الناس في الماضي يعبرون عن آرائهم المعارِضة همسا، فقد سقط حاجز الخوف واللامبالاة لدى البعض بعدما رأى مستخدمو الإنترنت أفراد العائلة والأصدقاء يتحدثون علانية عبر الفضاء الافتراضي.

وشكّلت منصات الإنترنت كذلك جسرا مع وسائل الإعلام العالمية التقليدية، ما أدى إلى تسارع حركات التمرد في المنطقة.

على رسم جداري في مدينة تونسية، كان في الإمكان رؤية عبارة  "شكرا لك فيسبوك"، وذلك قبل وقت طويل من إثارة عملاق وسائل التواصل الاجتماعي الانتباه لتسببه ليس فقط بنشر دعوات الحرية ولكن أيضا الأخبار المزيفة وخطاب الكراهية.

- "الكاميرا سلاحي" -

ولم يمض وقت طويل قبل أن يؤدي زلزال تونس إلى هزّات ارتدادية في مصر، مركز القوة في شمال إفريقيا.

وكانت حملة "فيسبوك" المسماة "كلنا خالد سعيد" أحد العوامل الرئيسية المحفّزة لحشد وتنظيم الاحتجاجات التي سلطت الضوء على عنف الشرطة وانتشار الفساد.

وتوفي سعيد (28 عاما) في مركز للشرطة في حزيران/يونيو 2010.

وانتشرت صور جثته التي بدت عليها واضحة آثار الضرب المبرح على الإنترنت، بينما زعمت السلطات بشكل غير مقنع أنه اختنق بسبب كيس مخدرات.

وجذبت حملة "كلنا خالد سعيد" على الانترنت المئات إلى جنازته، وتلتها سلسلة من الاحتجاجات الصامتة.

ومع مطلع 2011، اكتسبت الثورة المصرية زخما وتفاقم الحراك ليتحول إلى احتجاجات مناهضة للحكومة في 25 كانون الثاني/يناير، يوم عيد الشرطة.

وشجعت صفحة "كلنا خالد سعيد" في ذلك الوقت ما بات يعرف بـ"المواطن الصحافي" من خلال فيديو تعليمي بعنوان "الكاميرا سلاحي".

وظهرت صور مؤثرة على الإنترنت، بما في ذلك لرجل يواجه مدفع مياه وحيدا، في ما يذكر بالصورة الرمزية لمتظاهر صيني مجهول تحدى في عام 1989 رتلا من الدبابات في ساحة تيان انمين في بكين.

وقام متطوعون بترجمة تغريدات عربية لوسائل إعلام دولية، في وقت انتقدت وسائل الإعلام الرسمية "المجرمين" و"الأعداء الأجانب" الذين اتهمتهم بالتحريض على الاحتجاجات.

في 28 كانون الثاني/يناير 2011، في يوم "جمعة الغضب"، أوعزت الحكومة المصرية بحجب الإنترنت وخدمات الهاتف المحمول، لكن فقط بعد فوات الأوان.

إذ وصلت التفاعلات إلى مستويات حاسمة ليغادر المزيد من الشباب مواقعهم خلف شاشات الكمبيوتر للانضمام إلى الأحداث الحيّة في الشوارع.

وفي ذروة الاحتجاجات، كان ما يصل إلى مليون مصري يطالبون بالإطاحة بحسني مبارك الذي وافق أخيرا على التنحي في 11 شباط/فبراير، منهيا بذلك حكما دام ثلاثة عقود تقريبا.

- ساحات معارك افتراضية -

وإذا كانت عبارة "الربيع العربي" تعكس التوق الرومانسي نحو الحرية على غرار ربيع براغ عام 1968، فإنها انتهت بشكل مأسوي تماما كما حصل مع الانتفاضة القصيرة الأجل التي سحقتها الدبابات السوفياتية.

وفي السنوات الماضية، تمكنت دول عربية عديدة من تهيئة ذخيرتها الالكترونية الخاصة واتخاذ إجراءات صارمة بحق نشطاء على الإنترنت لإسكات اعتراضاتهم وانتقاداتهم..

في السنة الماضية، اتهمت منظمة العفو الدولية دول الخليج باستغلال وباء كوفيد-19  "كذريعة لمواصلة أنماط موجودة مسبقا لقمع الحق في حرية التعبير".

كما تم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير من جهات غير حكومية مثل تنظيم الدولة الإسلامية الذي استعملها كسلاح قوي للدعاية والتجنيد.

وجاء في مقال نشر في مجلة "وايرد" الأميركية "تعلمنا أن الأدوات التي حفزت الربيع العربي جيدة أو سيئة مثل أولئك الذين يستخدمونها".

وأضاف "واتضح أن الأشخاص السيئين يجيدون كذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي".

( ا ف ب )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب لنا ما يراودك من مواضيع ترغب في الاطلاع عليها

توافق الصحة النفسية للطفل بين الاسرة والمدرسة

  توافق الصحة النفسية للطفل بين الاسرة والمدرسة إعداد : سمر ضو   1-العلاقات بين المدرس والتلاميذ التى تقوم على اساس من الديموقراطية والتوجيه...